للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

[وقوع الطلقات الثلاث بثلاث] مما تغيرت الفتوى بها بحسَب الأزمنة كما عَرَفْت، لما رأته الصحابة من المصلحة، لأنهم رأوا مفسدة تتايُعِ الناس في إيقاع الثلاث لا تندفع إلا بإمضائها عليهم، فرأوا مصلحة الإمضاء أقوى من مفسدة الوقوع. ولم يكن باب التحليل الذي لعن رسول -صلى الله عليه وسلم- فاعله مفتوحا بوجهٍ ما، بل كانوا أشد خلق الله في المنع منه، وتوعَّد عمر فاعله بالرجم، وكانوا عالمين بالطلاق المأذون فيه وغيره. وأما في هذه الأزمان التي قد شكت الفروج فيها إلى ربها من مفسدة التحليل، وقُبْح ما يرتكبه المحللون مما هو رَمَدٌ بل عمىً في عين الدين وشجىً في حلوق المؤمنين، من قبائح تُشمِت أعداء الدين به، وتمنع كثيرا ممن يريد الدخول فيه بسببه، بحيث لا يحيط بتفاصيلها خطاب، ولا يحصرها كتاب، يراها المؤمنون كلهم من أقبح القبائح، ويعدونها من أعظم الفضائح، قد قلبت من الدين رَسمَه، وغيرت منه اسمه، وضَمَّخ التَّيس المستعار فيها المطلقة بنجاسة التحليل» (١).

وليس المراد من إيرادنا هذا النص قضية وقوع الثلاث بواحدة أو ثلاث، فهذه مسألةٌ دون تحريرِ الراجح فيها تسويدُ المجلدات (٢)، ولا مرادنا أن عين هذه المسألة أصلح مثالٍ على ما نحن فيه، فهي نفسُها محَلُّ نزاع، ولكنَّ الناظرَ بإنصافٍ في كلام الإمام ابن القَيِّم -رحمه الله- يرى نظرة الفقيه المدرك أن شرع الله مبناه على المصلحة، ثم هو يراعي نظرة غير المسلمين إلى الإسلام، وانصدادَ بعضهم عن الدخول في الدين من أجل تفشي مشكلة التحليل بين المسلمين.


(١) «إعْلام المُوَقِّعِين» لابن القَيِّم (٣/ ٤٠).
(٢) للمزيد، انظر كلام العلامة ابن القَيِّم في «زاد المعاد» فصل في حكمه -صلى الله عليه وسلم- فيمن طلق ثلاثا بكلمة واحدة (٥/ ٢٤١). ولمطالعة رأي مخالفيه، انظر كلام العلامة محمد الأمين الشِّنْقِيطِيّ في «أضواء البيان» عند تفسير قوله تعالى: {الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ ... } [البقرة: ٢٢٩] (١/ ١٠٤).

<<  <   >  >>