للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

والكراء لهم ومنهم. والأصل في النهي عن أكل لحوم الجلالة لمكان الضرر، وجاء منع الركوب، إن صح، تابعًا لذلك لزيادة التنفير منها، وقد يكون فيه ضرر أيضًا. وفي الإنسان من القوة الدافعة للآفات ما ليس في الحيوان. الفرق إذًا بين حكم النهي عن أكل لحم الجلالة ولمس الكافر ظاهر، فلا يسلم اعتراضهم بهذا.

وأما قولهم ولو نجست الجلالة لما طَهُرَت بالحبس (١) فلا نسلم لهم به، فإن الحبس قد صح عن أصحاب محمد -صلى الله عليه وسلم-، فقد أخرج ابن أبي شَيْبَة عن ابن عمر «أنه كان يحبس الدجاجة الجلالة ثلاثًا» (٢). وما فعلوه إلا لمعنًى رأوه.

وقد يسوغ لنا أن نقول إن الحبس - مع كونه حبسًا عن النجاسات - قد يؤدي إلى ظهور المرض على الحيوان فيقتله فيصير ميتة لا ينتفع بها، وكذلك فإن صاحبه لا يستطيع المبادرة إلى ذبحه ولَمَّا يطهر بعد.

ومن معهود الشريعة مراعاة ما يتغذى به الحيوان في الحكم عليه، ألا ترى أن الخِنزير يتغذى على القاذورات وهو محرم وقد نهى الشارع عن آكلات اللحوم (٣)، «فصح عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- النهي عن أكل كل ذي ناب من السباع وكل ذي مخلب من الطير» (٤). فلا عجب إذًا من المنع من أكل الجلالة وشرب ألبانها.


(١) «المُغْنِي» لابن قُدامة (٩/ ٣٣٠).
(٢) «مُصَنَّف ابن أبي شَيْبَة»: كتاب العقيقة، باب في لحوم الجلالة (٥/ ٥٧٧)، وصححه الحافظ في «فَتْح البَارِي» (٩/ ٦٤٨).
(٣) إلا ما جاء من خلاف في الضبع ولكن القاعدة هي تحريم كل ذي ناب من السباع ومخلب في الطير. أما الخلاف في الكلب فضعيف.
(٤) «صَحِيح مُسْلِم» كتاب الصيد والذبائح وما يؤكل من الحيوان، باب تحريم أكل كل ذي ناب من السباع وكل ذي مخلب من الطير (٣/ ١٥٣٣). أما الضبع، فإنه جائز عند الحنابلة دون الجمهور، فإن صح قولهم لكان على خلاف القياس، فلا يقاس عليه. أما الخلاف في الكلب فضعيف.

<<  <   >  >>