وقبل أن أختِم الكلام عن إثبات أصل تغير الفتوى، أسوق كلام العلامة ابن القَيِّم -رحمه الله- في هذا الشأن، فإنه - في تقديري- أبدع ما في هذا الباب، قال:
«فَصْلٌ في تغير الفتوى واختلافها بحسَب تغير الأزمنة والأمكنة والأحوال والنيات والعوائد؛ والشريعة مبنية على مصالح العباد.
هذا فَصْلٌ عظيم النفع جدًّا وقع بسبب الجهل به غلط عظيم على الشريعة أوجب من الحرج والمشقة وتكليف ما لا سبيل إليه ما يُعلم أن الشريعة الباهرة التي في أعلى رتب المصالح لا تأتي به. فإن الشريعة مبناها وأساسها على الحِكَم ومصالح العباد في المعاش والمعاد، وهي عدل كلها ورحمة كلها ومصالح كلها وحكمة كلها. فكل مسألة خرجت عن العدل إلى الجَوْر، وعن الرحمة إلى ضدها، وعن المصلحة إلى المفسدة، وعن الحكمة إلى العبث، فليست من الشريعة وإن أُدخِلت فيها بالتأويل، فالشريعة: عدل الله بين عباده، ورحمته بين خلقه، وظله في أرضه، وحكمته الدالة عليه وعلى صدق رسوله -صلى الله عليه وسلم- أتم دَِلالة وأصدقَها» (١).
أسأل الله أن يكون الحق قد اتضح في هذه المسألة، والآن نعرض إلى ضوابطها.