للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

• والمتأخرون من علماء الشافعية اعتبروا المقْصِد العرفي في الأيمان والمعاملات بخلاف اعتماد المتقدمين لمقتضى اللغة، واختلفت عندهم فتاوى الخُرَاسَانِيين عن غيرهم لاختلاف العُرف، واختلفت فتاوى المتقدمين عن المتأخرين. كما أنه يمكن القول بأن اختلاف العوائد والأحوال بين الأمصار الإسلامية كان من أسباب تجديد الشافعي -رحمه الله- لمذهبه.

• وقال ابن القَيِّم -رحمه الله-: «قلت: وكذلك الفاسق إلا أن يكون معلنًا بفسقه داعيًا إلى بدعته، فحكم استفتائه حكم إمامته وشهادته، وهذا يختلف باختلاف الأمكنة والأزمنة والقدرة والعجز؛ فالواجب شيء والواقع شيء. والفقيه من يطبق بين الواقع والواجب وينفذ الواجب بحسَب استطاعته، لا من يلقي العداوة بين الواجب والواقع، فلكل زمان حكم، والناس بزمانهم أشبه منهم بآبائهم. وإذا عم الفسوق وغلب على أهل الأرض فلو مُنِعت إمامة الفساق وشهاداتهم وأحكامهم وفتاويهم وولاياتهم لعُطِّلت الأحكام، وفسد نظام الخلق، وبَطَلت أكثر الحقوق، ومع هذا فالواجب اعتبار الأصلح فالأصلح، وهذا عند القدرة والاختيار، وأما عند الضرورة والغلبة بالباطل فليس إلا الاصطبار، والقيام بأضعف مراتب الإنكار» (١).

قلت: إن مسألة الشهادة هي من وسائل تحقيق العدالة التي هي مقصود القضاء الأعظم والتي من أجلها أرسل الله الرسل، وأنزل الكتب، قال تعالى: {لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنْزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ ... } [الحديد: ٢٥] وإنَّ هذا المقصود الأعظم يُبتغَى في سبيلِ تحقيقِه كلُّ وسيلة لا تخالف الشرع، وإن لم ينطق بها، ولا عمل بها السلف.


(١) «إعْلام المُوَقِّعِين» لابن القَيِّم (٤/ ١٧٠).

<<  <   >  >>