للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ولقد آثرت إيراد كلام السَّرَخْسِيّ -رحمه الله- لما فيه من فوائد، فإن توقف أبي حنيفة فيه ورعٌ منه ودليلٌ أنهم - رحمهم الله - لم يكن عندهم تسرع في الفتيا ولا طيش. وكذلك فإن هناك فائدة في قول السَّرَخْسِيّ: «وتوقف بالجواب لأنه لا طريق للتمييز بالرجوع إلى المعقول، ولم يجد فيه نصًّا فتوقف» قلت: ليس من نص في هذا ولا السابق من الكلام عن المبال، وسيأتي (١) ضعف ما روي فيه عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، أما المعقول، فمتحقق في زماننا بالإحالة إلى الأطباء.

وجاء في «المُدَوَّنَة»: «القول في الخنثى قلت: أرأيت الخنثى ما قول مالك فيها ... قال: لم أسمع من مالك فيه شيئًا وما اجترأنا على شيء من هذا. قلت: فهل سمعته يقول في ميراثه شيئًا؟ قال: لا ما سمعناه يقول في ميراثه شيئًا، وأحب إلى أن ينظر في مباله فإن كان يبول من ذكره فهو غلام، وإن كان يبول من فرجه فهي جارية؛ لأن النسل إنما يكون من موضع المبال وفيه الوطء، فيكون ميراثه وشهادته وكل أمره على ذلك» (٢).

وجاء في «الفُرُوع»: «فإن بال أو سبق بوله من ذكره فهو ذكر، نص عليه، وعكسه أنثى، وإن خرج منهما معًا اعتبر أكثرهما، فإن استويا فمشكل، وقيل: لا يعتبر أكثرهما» (٣).

وإن ما يظهر من اتفاقهم على اعتبار المبال إنما يكون عند حصول الإشكال والاشتباه. وإنه من توفيق الله لهم أن اعتمدوا على هذا المعيار لأنه الأقرب إلى تحديد الجنس الصواب في أزمنتهم، لأنه كلما ضعفت ذكورة الجنين الذكر، تراجعت فتحة البول إلى الخلف، وكلما زادت هرمونات الذكورة في الأنثى، كبر البظر وتقدمت فتحة


(١) في المطلب الرابع من هذا المبحث.
(٢) «المُدَوَّنَة» أجوبة مالك برواية سَحْنُون (٢/ ١٧٣).
(٣) «الفُرُوع» لابن مُفْلِح (٥/ ٤٠).

<<  <   >  >>