للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ولقد أشكل على أهل العلم من قديم التعارض بين ظاهر هذه الرواية وروايات وأحاديث أخرى عن أنس بن مالك وحُذَيفة بن أَسِيد -رضي الله عنهما-، ولكن لعل قوة سند هذه الرواية عن ابن مسعود -رضي الله عنه- والتي جعلت البخاري لا يذكر غيرها - مع جلالة قدر هذا الصحابي وسعة علمه وقوة حفظه وحسن فقهه جعل هذا الحديث هو العمدة التي يُتَأَوَّل لها كلُّ نصٍّ آخر. ولقد ذهب العلماء مذاهب شتى في الجمع، نفصلها في حينها، ولكنهم كانوا ينطلقون من هذه الرواية ويعودون إليها.

• والذي استجد هو أن المعارف الطبية الحديثة تفيد أن مرحلة التخليق في الجنين تنتهي عند نهاية الأسبوع الثامن لتبدأ مرحلة النمو. ولقد يسرت الأجهزة الحديثة مثل الأشعة الصوتية على الأطباء متابعة مراحل تكون الجنين داخل الرحم، وهم يختلفون في أشياء وتفاصيل كثيرة إلا أنهم متفقون على أن تخليق الأعضاء ينتهي بانتهاء المرحلة الجنينية (١) عند نهاية الأسبوع الثامن.

وربما يتبادر إلى الذهن عدم وجود الإشكال لأن قضية نفخ الروح في الجنين قضية غيبية لا دخل للطب بها، فإن الطب الحديث لا يتناول الروح من قريب أو بعيد ولا ذكر لها في مراجعه، فإنه يحدد أن موضوعه هو بدن الإنسان. ولعل هذا حق، ولكن الإشكال في حديث بن مسعود -رضي الله عنه- هو في وصف الجنين بالنطفة في الأربعين الأولى والعلقة في الثانية والمضغة في الثالثة، بينما يكون في الثانية قد تكونت عظامه وفي الثالثة قد تميزت أصابع يديه ورجليه؛ وليس الأمر عندئذ مما يشاهد فقط عن طريق الأشعة الصوتية، بل يشاهد بالعين المجردة عند حدوث السقط كما أشار إليه ابن الهُمَام (٢) -رحمه الله- حيث قال:


(١) Embryogenesis
(٢) هو: كمال الدين محمد بن عبد الواحد بن عبد الحميد بن مسعود السِّيواسِيّ الإسكندري، المعروف بابن الهُمَام، إمام من علماء الحنفية، عارف بأصول الديانات والتفسير والفرائض والفقه والحساب وغيرها، أصله من سيواس، ولد بالإسكندرية سنة ٧٩٠ هـ، ونبغ في القاهرة، وأقام بحلب مدة، وجاور بالحرمين، ثم كان شيخ الشيوخ بالخانقاه الشيخونية بمصر، وكان معظمًا عند الملوك وأرباب الدولة، توفي بالقاهرة سنة ٨٦١ هـ، من كتبه: «فَتْح القَدِير في شرح الهِدَايَة» و «التحرير» في أصول الفقه. راجع ترجمته في: «الضوء اللامع» (٢/ ٢٠١)، «شَذَرَات الذَّهَب» (٤/ ٢٩٨).

<<  <   >  >>