للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فالجناية أفحش؛ فإن نفخت الروح واستقرت الخلقة زادت الجناية تفاحشا. ثم قال: ويبعد الحكم بعدم تحريمه، وقد يقال أما حالة نفخ الروح فما بعده إلى الوضع فلا شك في التحريم، وأما قبله فلا يقال إنه خلاف الأولى بل محتمل للتنزيه والتحريم، ويقوى التحريم فيما قرب من زمن النفخ لأنه حريمه» (١).

وظاهر حديث ابن مسعود -رضي الله عنه- هو العمدة في التفريق بين ما دون المائة والعشرين وما بعدها، فإن من ذهب إلى جواز الإسقاط قبل المائة والعشرين إنما استدل بعدم نفخ الروح، ومن ثم عدم بداية الحياة الإنسانية وعدم الآدمية. كذلك فإن حديث ابن مسعود -رضي الله عنه- والذي يفيد ظاهره أن مرحلة النطفة تستمر أربعين يومًا هو مُعتمَد من فرق بين ما دون الأربعين وما بعدها، فإن النطفة عندهم كمني الرجل لا خلق فيها يُحتَرَم وهي لم تنعقد كما جاء في حديث رواه الإمام أحمد عن ابن مسعود -رضي الله عنه- وفيه: قال رسول اللهِ -صلى الله عليه وسلم-: «إن النُّطْفَةَ تَكُونُ في الرَّحِمِ أَرْبَعِينَ يَوْمًا على حَالِهَا لَا تَغَيَّرُ فإذا مَضَتِ الأَرْبَعُونَ صَارَتْ عَلَقَةً ثُمَّ مُضْغَةً كَذَلِكَ ثُمَّ عِظَامًا كَذَلِكَ، فإذا أَرَادَ الله أَنْ يُسَوِّيَ خَلْقَهُ بَعَثَ إِلَيْهَا مَلَكًا فيقول الْمَلَكُ الذي يَلِيهِ أي رَبِّ أَذَكَرٌ أَمْ أُنْثَى أشقي أَمْ سَعِيدٌ أَقَصِيرٌ أَمْ طَوِيلٌ أَنَاقِصٌ أَمْ زَائِدٌ؛ قُوَّتُهُ وَأَجَلُهُ أَصَحِيحٌ أَمْ سَقِيمٌ؛ قال فَيُكْتَبُ ذلك كُلُّهُ فقال رَجُلٌ مِنَ الْقَوْمِ فَفِيمَ الْعَمَلُ إِذًا وقد فُرِغَ من هذا كُلِّهِ قال اعْمَلُوا فَكُلٌّ سَيُوَجَّهُ لِمَا خُلِقَ له» (٢).

والحديث بهذا اللفظ لا يصح (٣) ولو صح فليس من دليل على التفريق بين ما تغير وما لم يتغير عند من قال بالمنع، وهؤلاء استدلوا على أن اسم الجنين هو لما كان في بطن المرأة الحامل، وقد أوجب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في إسقاط الجنين غرة، فقد روى الشيخان من


(١) «نهاية المُحْتاج» للرَّمْلِيّّ (٨/ ٤٤٢).
(٢) «مُسْنَد أحمَد بن حَنْبَل» (١/ ٣٧٤).
(٣) ذكر الحافظ في الفتح ضعف السند وانقطاعه. «فَتْح البَارِي» (١١/ ٤٨).

<<  <   >  >>