حديث أبي هريرة -رضي الله عنه-: «قَضَى رسول اللهِ -صلى الله عليه وسلم- في جَنِينِ امْرَأَةٍ من بَنِي لِحْيَانَ سَقَطَ مَيِّتًا بِغُرَّةٍ عَبْدٍ أو أَمَةٍ»(١).
وإيجاب الغرة يدل على الإثم وأن للجنين حرمةً. وأقوى الأجوبة هو التفريق بين ما كان تعديًا وما كان باتفاق الزوجين.
تبين مما سبق أن لحديث ابن مسعود -رضي الله عنه- أهمية عظيمة في هذا الباب، ولقد أشكل الحديث على العلماء من قبل وحاولوا جمعه مع بقية الأدلة، بل ومع الحِسِّ، فكانت لهم في ذلك مذاهبُ شتى. فلما تقدمت المعارف الطبية وظهر التعارض جليًّا بين ظاهر الحديث، وعلى الأخص رواية زيد بن وَهْب عن ابن مسعود في البخاري، وتلك المعارف الحديثة، تجدد النقاش حول الحديث، وظهر خلافٌ كثيرٌ حول بداية الآدمية أو الحياة الإنسانية، وذهب الناس في ذلك مذاهبَ شتى. فمن قائل إنها تبدأ عند الإخصاب، ومن قائل إنها تبدأ عند الأربعين أو الثمانين، وتمسك الأكثر من الفقهاء بظاهر حديث ابن مسعود -رضي الله عنه- من أن الآدمية تبدأ بعد المائة والعشرين. وهذه الأقوال المختلفة لها سند في الطب، وليس منها ما له سند في الشرع - فيما أرى - إلا قولان وهما القول بالأربعين وبالمائة والعشرين.
وفي المطلب القادم نعرض هذه الأقوال ونناقش أدلتها مع استصحاب المعارف الطبية الحديثة أثناء النقاش.
(١) «صَحِيح البُخَارِيّ» كتاب الفرائض، باب ميراث المرأة والزوج مع الولد وغيره (٦/ ٢٤٧٨) «صَحِيح مُسْلِم» في القسامة والمحاربين والقصاص والديات، باب دية الجنين (٣/ ١٣٠٩).