للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

التخليق الظاهر في البيضة. فهاهنا أربع مراتب: أحدها تصوير وتخليق علمي لم يخرج إلى الخارج، الثانية مبدأ تصوير خفي يعجز الحس عن إدراكه، الثالثة تصوير يناله الحس ولكنه لم يتم بعد، الرابعة تمام التصوير الذي ليس بعده إلا نفخ الروح» (١).

وهذه أجوبة عبقرية تليق بعلامة بقدر الإمام ابن القَيِّم -رحمه الله-، ولكنني لا أجدها شافية بالنسبة لقضية الخلق والتصوير، فإن الله -عز وجل- يقول:

{فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَامًا فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْمًا ثُمَّ أَنْشَأْنَاهُ خَلْقًا آخَرَ فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ} [المؤمنون: ١٤].

والآية واضحة في كون العظام تتكون بعد المضغة، لذا قال القاضي عِياض -رحمه الله- فيما نقله عنه الحافظ ابن حَجَر -رحمه الله-:

«حمل هذا [حديث حذيفة] على ظاهره لا يصح لأن التصوير بأثر النطفة وأول العلقة في أول الأربعين الثانية غير موجود ولا معهود وإنما يقع التصوير في آخر الأربعين الثالثة كما قال تعالى: {ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَامًا فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْمًا} الآية. قال فيكون معنى قوله فصورها إلخ أي كتب ذلك ثم يفعله بعد ذلك» (٢).

فالقاضي - ويوافقه في ذلك ابن القَيِّم وابن حَجَر - ينطلق من أن المضغة إنما تكون في الأربعين الثالثة، فلزم أن نتأول حديث حذيفة، وفهمه -رحمه الله- للآية حسن وتقريره لتعذر الجمع بين الآية وحديثي حذيفة وابن مسعود وجيه، إلا أن الذي ينبغي أن يُتَأَوَّل هو لفظ حديث ابن مسعود عند البخاري لا حديث حذيفة، فالحِسُّ يقضي، بإجماع الأطباء، أن الجنين الذي سقط عند مائة يوم له عظامٌ ورأسٌ وفقراتٌ وأذرعٌ وأرجلٌ بل


(١) «التِّبيَان في أقسَام القُرآن» لابن القَيِّم (١/ ٢١٧ - ٢١٨).
(٢) «فَتْح البَارِي» لابن حَجَر (١١/ ٤٨٤).

<<  <   >  >>