للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ويُشكِل على ما تقدم أن هناك مناطقَ هامةً لوظائفِ الحياةِ لم تكتمل كمنطقة المهاد في الدِّمَاغ، كذلك فالطفل، كما تقدم في المقدمة الطبية، لا يمكن إنقاذه إذا ولد دون العشرين أسبوعًا (١٤٠ يومًا من الإخصاب)، وهو لم يستو خلقه بعد الأربعين الأولى ليكون صالحًا لاستقبال الروح. يقول ابن القيم -رحمه الله- عن الروح: «جسم مخالف بالماهية لهذا الجسم المحسوس، وهو جسم نوراني علوي خفيف حي متحرك ينفذ في جوهر الأعضاء ويسري فيها سريان الماء في الورد وسريان الدُّهْن في الزيتون والنار في الفحم. فما دامت هذه الأعضاء صالحة لقبول الآثار الفائضة عليها من هذا الجسم اللطيف، بقي ذلك الجسم اللطيف ساريا في هذه الأعضاء وأفادها هذه الآثار من الحس والحركة الإرادية. وإذا فسدت هذه بسبب استيلاء الأخلاط الغليظة عليها وخرجت عن قبول تلك الآثار، فارق الروح البدن وانفصل إلى عالم الأرواح» (١).

ووجه ذلك من الوحي قوله سبحانه: {ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَامًا فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْمًا ثُمَّ أَنْشَأْنَاهُ خَلْقًا آخَرَ فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ} [المؤمنون: ١٤].

وقوله -عز وجل-: {ثُمَّ سَوَّاهُ وَنَفَخَ فِيهِ مِنْ رُوحِهِ وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ قَلِيلًا مَا تَشْكُرُونَ} [السجدة: ٩].

فانظر كيف جعل الخلق الآخر - والذي يُقصَد به الآدَمِيّة - بعد كل مراحل التكوين، ثم إنه جعل التسوية سابقة للنفخ.


(١) «الرُّوح» لابن القَيِّم (ص ٢٢٥).

<<  <   >  >>