للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

رِزْقِهِ وَأَجَلِهِ وَعَمَلِهِ وَشَقِيٌّ أو سَعِيدٌ فَوَالَّذِي لا إِلَهَ غَيْرُهُ إِنَّ أَحَدَكُمْ لَيَعْمَلُ بِعَمَلِ أَهْلِ الْجَنَّةِ حتى ما يَكُونُ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا إلا ذِرَاعٌ فَيَسْبِقُ عليه الْكِتَابُ فَيَعْمَلُ بِعَمَلِ أَهْلِ النَّارِ فَيَدْخُلُهَا وإن أَحَدَكُمْ لَيَعْمَلُ بِعَمَلِ أَهْلِ النَّارِ حتى ما يَكُونُ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا إلا ذِرَاعٌ فَيَسْبِقُ عليه الْكِتَابُ فَيَعْمَلُ بِعَمَلِ أَهْلِ الْجَنَّةِ فَيَدْخُلُهَا» (١).

إن قوله -صلى الله عليه وسلم-: «في ذلك» إما أن يرجع على الوعاء المكاني، وهو البطن أو الزماني وهو الأربعون يومًا، ورجوعه على الزمان أولى لأنه آخر مذكور، فتكون المراحل كلها في تلك الأربعين ذاتها.

قال ابن الزَّمْلَكانِيّ -رحمه الله- (٢) في الجمع بين الروايات: «وأما حديث البخاري فينزل على ذلك، إذ معنى يجمع في بطن أمه، أي يحكم ويتقن، ومنه رجل جميع أي مجتمع الخلق. فهما متساويان في مسمى الإتقان والإحكام لا في خصوصه، ثم إنه يكون مضغة في حصتها أيضا من الأربعين، محكمة الخلق مثلما أن صورة الإنسان محكمة بعد الأربعين يوما، فنصب مثل ذلك على المصدر [أي مثل ذلك في الجمع والإتقان] لا على الظرف. ونظيره في الكلام قولك: إن الإنسان يتغير في الدنيا مدة عمره، ثم تشرح تغيره فتقول: ثم إنه يكون رضيعا ثم فطيما ثم يافعا ثم شابا ثم كهلا ثم شيخا ثم هرما ثم يتوفاه الله بعد ذلك.


(١) «صَحِيح مُسْلِم» كتاب القدر، باب كيفية خلق الآدمي في بطن أمه ... (٤/ ٢٠٣٦).
(٢) هو: كمال الدين أبو المعالي محمد بن علي الأنصَارِيّ السِّمَاكِيّ، المعروف بابن الزَّمْلَكانِيّ، الإمام العلامة، نسبه إلى أبي دجانة سِماك بن حرب الأنصَارِيّ -رضي الله عنه-. ولد في شوال سنة ٦٦٧. تفقه على تاج الدين، وأخذ العربية عن بدر بن مالك، وأطلق عليه الذَّهَبِيّ عالم العصر وأمير الشافعية. كان قد أثنى على شيخ الإسلام ابن تَيمِيَّة بما لا مزيد عليه ثم وقعت بينهما خصومة، والله يعامل جميع من أراد وجهه من هذه الأمة المرحومة بأحسن ما عملوا. مات ببلبيس بمصر، وكانت وفاته سنة ٧٢٧. انظر «البِدَايَة والنِّهَايَة» (٦/ ٢٥٨)، «الدُّرَر الكَامِنَة في أعيان المِائة الثَّامِنَة» (٥/ ٣٢٨)، «فوات الوفيات» (٢/ ٤١١).

<<  <   >  >>