للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وذلك من باب ترتيب الإخبار عن أطواره التي ينتقل فيها مدة بقائه في الدنيا. ومعلوم من قواعد اللغة العربية أن (ثم) تفيد الترتيب والتراخي بين الخبر قبلها وبين الخبر بعدها إلا إذا جاءت قرينة تدل على أنها لا تفيد ذلك، مثل قوله تعالى: {ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (١٥٣) ثُمَّ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ تَمَامًا عَلَى الَّذِي أَحْسَنَ وَتَفْصِيلًا لِكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً لَعَلَّهُمْ بِلِقَاءِ رَبِّهِمْ يُؤْمِنُونَ} [الأنعام: ١٥٣، ١٥٤]. ومن المعلوم أن وصية الله لنا في القرآن جاءت بعد كتاب موسى، فـ (ثم) هنا لا تفيد ترتيب المخبر عنه في الآية. وعلى هذا يكون حديث ابن مسعود: إن أحدكم يجمع خلقه في بطن أمه أربعين يوما ثم يكون في ذلك (أي في ذلك العدد من الأيام) علقة (مجتمعة في خلقها) مثل ذلك (أي مثلما اجتمع خلقكم في الأربعين) ثم يكون في ذلك (أي في نفس الأربعين يوما مضغة مجتمعة مكتملة الخلق المقدر لها) مثل ذلك أي مثلما اجتمع خلقكم في الأربعين يوما» (١).

وقد تحمل «ثم» في رواية البخاري على أنها للترتيب الجمعي دون الزمني. وبهذا الجمع تنسجم الروايات مع ظاهر القرآن وبعضها البعض وهو الأهم، ولا يكون فيها مخالفة للعلم الحديث.

أما كون الجنين يكون له قلب نابض بعد أربعة أسابيع، فكيف نسميه مضغة؟ فليس اعتراضًا وجيهًا وذلك أن لفظة مضغة تحتمل ذلك، والله تعالى يقول {ثُمَّ مِنْ مُضْغَةٍ مُخَلَّقَةٍ وَغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ} [الحج: ٥] أي أن التخليق يظهر في زمان المضغة (٢).

ولا يبعد أن يقال إن حديث حذيفة يدل على كون مراحل النطفة والعلقة والمضغة تتم في الأربعين الأولى، وليس فيه دلالة واضحة أنها تمتد إلى آخر الأربعين، بل الواضح فقط أنه عند الأربعين يبدأ التمايز وتسريع عملية التخليق.


(١) «البُرْهَان الكَاشِف عن إعْجَاز القُرآن» لابن الزَّمْلَكانِيّ (ص ٢٧٥).
(٢) انظر «تَفسِير الجَلالَيْن» للمَحَلِيّ والسُّيُوطِيّ (١/ ٤٣٣).

<<  <   >  >>