وهذه المؤلفات شأنها شأن أكثر المؤلفات الأخرى التى وضعت فى هذا الدور المتقدم من أدوار العلوم العربية، قد تفوقت عليها فيما بعد مصنفات أخرى مستوعبة، ثم أستولى عليها النسيان إلى حد بعيد بوصفها مؤلفات قائمة برأسها.
وقد حفظت لنا قطع منها فيما تلا من المؤلفات.
ويتضح من ذلك أن هذه التآليف اللغوية المفردة هى تلك الأعمال الموطّئة التى مكّنت من وضع/ مصنّفات واسعة فى اللغة فى القرن الثانى/ الثامن مثل «كتاب الجيم» لأبى عمرو الشيبانى، و «كتاب العين» للخليل بن أحمد، و «كتاب الصفات» للنّضر بن شميل، وكذلك كتب كبيرة فى النوادر.
وأثبت ابن النديم بين مؤلفات أولئك الفصحاء التى فصّل ذكرها (ص ٤٧) أكثر من ثلاثين اسما رأى نسخا من كتبهم بخطوط بعض العلماء.
أمّا تنبيه ابن النديم فى معرض حديثه عن بعض الفصحاء، كأبى مهدية (ص ٤٦) أو أبى عرار (ص ٤٤) على أنه «لا مصنّف له»، فلا يمنع من احتمال أن كل ما فى الأمر هو أن ابن النديم لم ير له مصنّفا.
والنقول التى وردت فى مصادرنا تعيننا أيضا على تعيين الزمان الذى عاشت فيه طائفة من الفصحاء. فقد عاش بعضهم فى الشطر الأول، وآخرون غيرهم فى الشطر الآخر من القرن الثانى/ الثامن، ومن بعده أيضا.
ولا يزال «كتاب الجيم» لأبى عمرو الشيبانى إلى الآن هو أقدم المصادر المعروفة لنا، وفى الوقت نفسه هو أهم ما يصلح منها لإعطائنا فكرة حسنة [عن دور فصحاء الأعراب]. ويجوز لنا أن نعد قسما كبيرا من الرواة الذين يربو عددهم على ١٣٠ راويا، مؤلفين لتلك المصادر التى نقل عنها أبو عمرو نقلا مباشرا. وهذا الرأى تؤيده النقول التى أوردتها مصنفات اللغة وكتب النوادر التى وصلت إلينا، والقطع التى بقيت لنا مما ضاع من مؤلفات هذه الفنون.
ومع أن عمل الفصحاء كان قد بدأ فى عصر متقدم جدا شأنه فى ذلك شأن عمل الرواة الأوائل للشعر العربى القديم وأقدم اللغويين والنحاة، فإن ما تذكره المصادر عنهم صراحة قليل. وغالبا ما رحل اللغويون إليهم فى البادية. ومع هذا يبدو أنهم