للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

الصمم بعد انصرافه من الرحلة، فاستحكم به حتى أنه كان لا يسمع نهيق الحمار، وكان أبو العباس محدث عصره بلا مدافعة، فإنه حدَّث في الإِسلام ستًا وسبعين سنة، ولم يختلف في صدقه وصحة سماعاته، وضبط أبيه يعقوب الوراق لها، وكان مع ذلك يرجع إلى حسن المذهب والدين، يصلي خمس صلوات في الجماعة، وبلغني أنه أذن سبعين سنة في مسجده، وكان حسن الخلق، سخيّ النفس، لا يبخل بكل ما يقدر عليه، وربما كان في قديم الأيام يحتاج إلى الشيء لمعاشه فيورق، ويأكل من كسب يده، وهذا الذي يعاب به من أنه كان يأخذ على التحديث، وإنما كان يعيبه به من لا يعرفه، فإنه كان يكره ذلك أشد الكراهة، ولا يناقش أحدًا فيه، إنما كان ورَّاقه، وابنه أبو سعيد يطلُبان الناس بذلك، فيكره هو ذلك، ولا يقدر على مخالفتهما، سمع منه الآباء والأبناء والأحفاد وأولادهم، كالحسن بن الحسين بن منصور، سمع منه كتاب "الرسالة"، فسمع منه ابنه أبو الحسن ابن الحسن في ذلك الكتاب، ثم سمعه أبو نصر بن أبي الحسن في ذلك الكتاب، ثم سمع منه عمر بن أبي نصر في ذلك الكتاب، ومثل هذا كثير. وكفاه شرفًا أن يحدث طول تلك السنين، ولا يجد أحد من الناس فيه مغمزًا بحجة، وما رأينا الرجل في بلد من بلاد الإسلام أكثر منها إليه، فقد رأيت. جماعة من أهل الأندلس، وجماعة من أهل طِّراز، وإسبيجاب، وأهل المشرق على بابه، وكذلك رأيت في عرض الدنيا من أهل المنصورة، ومولتان، وبلا بُست وسجستان على بابه، وكذلك رأيت جماعة من أهل فارس، وشيراز، وخوزستان على بابه، فناهيك بهذا شرفًا واشتهارًا وعلوًا في الدين، وقبولًا في بلاد المسلمين

<<  <  ج: ص:  >  >>