الأوحد بين أقرانه، سمعت أبا علي الحافظ غير مرة يقول: الناس يتعجبون من حفظنا لهذه الأسانيد، وأبو زكريا العنبري يحفظ من العلوم ما لو كُلِّفنا حفظ شيء منها لعجزنا عنه، وما أعلم أني رأيت مثله. وكان القاضي الوزير عبد الحميد بن عبد الرحمن النَّيْسابُوري يقول: ذهبت الفوائد من مجالسنا بعد أبي زكريا، وذلك أن أبا زكريا اعتزل الناس وقعد عن حضور المحافل بضع عشرة سنة، سمع أبا علي محمد بن عمرو الحرشي، والحسين بن محمد بن زياد القباني، وأحمد بن سلمة، وإبراهيم بن أبي طالب وأكثر عنهما، روى عنه أبو بكر بن عبدش المفسر، وأبو علي الحسين بن علي الحافظ، وأبو الحسين محمد بن محمد الحجاجي والمشايخ، وحكى عنه أنه قال: دخلت مع والدي على أبي عبد الله البوشنجي فقال لأبي: يا أبا عبد الله، بلغني أن ابنك هذا قد تأدب، قال: نعم، قال: أيش عملته من الكتب؟ قال: قد قرأ جملة من الكتب؛ فالتفت إليّ فقال: يا بني ما العقرب؟ قلت: عقرب "الميزان"، قال: ما العرقب؟ قلت: دابة تلدغ، قال: يا بني ما العقرب؟ قلت: عقرب الصدغي، فقال: أحسنت. وسمعته يقول: العالم المختار أن يرجع إلي حسن الحال، فيأكل الطيب والحلال، ولا يكسب بعلمه المال، ويكون علمه له جمال، وماله من الله المتعالى مَنٌّ عليه وإفضال.
وقال السمعاني في "الأنساب": كان أديبًا فاضلًا عارفًا بالتفسير واللغة. وقال مرة: كان من المشاهير من علماء المحدثين. وقال ياقوت الحموي في معجم الأدباء: كان عالمًا بالتفسير لغويًا أديبًا فاضلًا. وقال الذهبي في "النبلاء": الإمام الثقة المفسر المحدث الأديب العلامة