إلى أبي علي بعشرين دينارًا، فقال: يا أبا علي، ينبغي أن تسافر، فإن السلطان قد طلبك فخرج، وخرجنا. قال الحاكم: وسمعت أحمد بن محمد يقول: راسَلَه ابن جوصا بأنه قد أُنهي إلي السلطان أنك استصحبت غلامًا حدثًا، وإن أباه قد خرج في طلبه، يعني أبا عمرو الصغير.
وقد أطنبه الحاكم -رحمه الله تعالي- في "تاريخه" في الثناء عليه، فقال: هو أوحد عصره في الحفظ والإتقان والورع والرحلة شرقًا وغربًا، مقدم في مذاكرة الأئمة وكثرة التصنيف، وكان مع تقدمه في هذه العلوم أحد المعدلين المقبولين في البلد، عقد له مجلس الإملاء سنة سبع وثلاثين وثلاثمائة، وهو ابن ستين سنة، ثم لم يزل يحدث بالمصنفات والشيوخ مدة عمره. وسمعته يقول: كتب عني أبو محمد بن صاعد غير حديث في المذاكرة، وكتب عني ابن جوصا بدمشق جملة. قال الحاكم: وكنت أرى أبا علي معجبًا بأبي يعلى الموصلي وإتقانه، وكان لا يخفى عليه شيء من حديثه إلا اليسير، ولولا اشتغاله بسماع كتب القاضي أبي يوسف من بشر بن الوليد الكندي، لأدرك بالبصرة أبا الوليد الطيالسي، وسليمان بن حرب. وكان أبو علي يقول: ما رأيت في أصحابنا مثل أبي بكر الجِعَابي، حيرني حفظه، فحكيت هذا للجعابي، فقال: يقول أبو علي هذا وهو أستاذي على الحقيقة؟!
وسمعت أبا علي -أيضًا- يقول: وردت على عبدان الأهوازي فأكرم موردي، وكان يتبجح بي، ويبالغ في تقريبي وإعزازي وإكرام موردي، ويجيبني إلى كل ما ألتمسه من حديثه، إلي أن ذاكرته غير مرة واستقصيت عليه في المذاكرة والمطالبة، فتغير لي، وقد عرف من أخلاقه أنه كان