طلب الحديث، فأدرك بمصر: أصحاب يونس بن عبد الأعلى، وأحمد بن عبد الرحمن، وأدرك بالشام أصحاب هشام بن عمار، ومحمد بن عزيز الأيلي، وأكثر بها عن خيثمة بن سليمان وأقرانه، وسمع بمكة -حرسها الله-، والعراق، وأصبهان، ثم جاءنا من أصبهان في شهر رمضان من سنة اثنتين وأربعين وثلاثمائة، بعد أن كان وافقني بالكوفة سنة إحدى وأربعين،
وسألني عن أبي العباس الأصم، فأخبرته بسلامته، فقال: قد نُعي إلينا منذ أشهر، فقلت: لا، وبعثته، وورد عليَّ خراسان، فسمع من أبي العباس الأصم أكثر حديثه، وبقي بنيسابور إلي سنة خمس وأربعين، ثم خرج إلي مرو، وإلى ابن خنب ببخارى كشانية، إلى علي بن محتاج، وأبي يعلى النسفي، وأبي الحسن بن البحتري، فأكثر عنهم، ودخل الشاش، ومنها إلى اسبيجاب، وكتب بها الكثير، ثم انصرف إلي بخارى واستوطنها، وتسرى بها، وولدت له بنته، ولم يدنس نفسه بشيء قط مما يشين العلم وأهله. رأيت أبا الأصبغ في المنام وهو يمشي بزيّ أحسن ما يكون، فقلت له: أنت أبو الأصبغ؟ قال: نعم، قلت ادعُ الله أن يجمعني وإياك في الجنة، فقال: إن أمام الجنة هؤلاء، ثم رفع يديه فقال: اللهم اجمعه معي في الجنة بعد عمر طويل.
ورأيت أبا الأصبغ مرة أخرى في بستان فيه خضرة ومياه جارية وفُرُش كثيرة، وكأني أقول الهالة، فقلت: يا أبا الأصبغ بماذا وصلت إليه؟ أبالحديث؟ فقال: أي والله، وهل نجوتُ إلا بالحديث.
وقال ابن الفزضي في "تاريخه": سمع بقُرطُبة، ورحل إلي المشرق، ودخل العراق، وصار إلي خراسان، فكتب هناك كثيرًا، وصحب بايعًا