فهذا أبو الدرداء رضي الله عنه، وهو يروي جواب الرسول صلى الله عليه وسلم بلفظ العموم: أفي كل صلاة قراءة؟ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: نعم: أي في كل صلاة قراءة؛ لأن السؤال معاد في الجواب، ونصه هذا يشمل المأموم، كما يشمل الإمام والمنفرد، المستفاد من صيغة (كل صلاة)، وهي صريحة في العموم، وخشية أن يفهم التابعي هذا العموم، بادر أبو الدرداء من قوله موقوفًا عليه، فقال: ما أرى الإمام إذا أم القوم إلا قد كفاهم، إشارة منه إلى إخراج المأموم من هذا العموم، وأن هذا العموم قد خُصَّ منه المأموم، ولا يظن بالصحابي أنه يقول ذلك من رأيه، فإن هذا استدراك من الصحابي على النبي صلى الله عليه وسلم، وحاشى الصحابة رضوان الله عليهم أن يستدركوا على النبي صلى الله عليه وسلم ما لم يقله ولم يشرعه، فلو كانت القراءة واجبة على المأموم وجوبًا عامًّا لعامة المصلين لكان أولى الناس بمعرفته هم الصحابة؛ لأن ذلك متعلق بالبيان والتبليغ الواجب على النبي صلى الله عليه وسلم أن يُعَلِّمَ صحابته ما تصح به صلاتهم، ولاشتهر ذلك بينهم كاشتهار أن المصلي لا يدخل الصلاة إلا بتكبيرة الإحرام، فلا يَخُصُّ الصحابي المأموم من هذا العموم برأيه إلا أن يكون ذلك متلقًّى من النبي صلى الله عليه وسلم، ومن عمل الصحابة رضوان الله عليهم، ولم يكن هذا رأيًا لأبي الدرداء وحده، بل كان رأيًا لجابر رضي الله عنه وابن عمر، وزيد بن ثابت، وعلي، وابن عباس، فكيف يظن أن قراءة الفاتحة تجب على المأموم ثم يجهل هؤلاء الصحابة فقه هذه المسألة، وهم على رأس الفقه والفتوى؟ وكل ذلك يؤيد ما قاله الزهري:(فانتهى الناس عن القراءة فيما جهر فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم).
الدليل الرابع:
(ث-٣٤٢) ما رواه مالك في الموطأ، عن أبي نعيم: وهب بن كيسان،