بُيِّن بيانًا عامًّا، بخلاف ما يكون مستحبًّا؛ فإن هذا قد يخفى» (١).
* دليل من قال: تكره القراءة في الجهرية:
أدلة هذا القول هي أدلة من منع القراءة خلف الإمام مطلقًا، إلا أنهم حملوا هذه الأدلة على الكراهة، وعلى الصلاة الجهرية دون السرية.
* الراجح من الخلاف:
لقد رأيت أخي الكريم -إن كنت قرأت البحث كاملًا- كيف يكون الدليل الواحد في هذه المسألة يستدل به أكثر من قول، والراجح في هذه المسألة الشائكة لن يكون بين قول قوي وضعيف، وإنما بين قول قوي وأقوى منه، وأضعف الأقوال عندي هو مذهب الحنفية القائلين بأن قراءة الفاتحة تحرم في السرية، فإذا كان لا يحرم على المصلي دعاء الاستفتاح، ولا أذكار الركوع والسجود، فكيف يحرم عليه قراءة القرآن، وهو لا يسمع قراءة إمامه؟ ما بال القرآن؟
وأقوى الأقوال عندي أن الفاتحة في الصلاة الجهرية ليست واجبة على المأموم؛ لأن حديث عبادة بن الصامت:(لا تفعلوا إلا بأم القرآن) بَيِّن الضعف، وذلك بسبب كثرة الاختلاف على مكحول، وإعلاله بالوقف، وقد ضعفه الإمام الترمذي مع ما يقال من تساهله، كما ضعفه الإمام أحمد، والإمام أحمد إذا ضعف حديثًا فالغالب أن الباحث لا يستطيع أن ينهض به، بخلاف التصحيح فقد يُغَلِّب الإمام أحمد أحيانًا النظر الفقهي على الصناعة الحديثية، ويكون الحكم على الحديث عنده مشمولًا بالنظر إلى عمل أكثر السلف وما ورد في المسألة من آثار، كما شرحت لك ذلك عند الكلام على تصحيح الإمام أحمد لحديث:(وإذا قرأ فأنصتوا)، والله أعلم.
وأما قراءة الفاتحة في الصلاة السرية فإنها واجبة احتياطًا؛ لعموم حديث (لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب)، وإن لم يكن وجوبها على المأموم كوجوبها على الإمام والمنفرد، والباعث على التفريق ما ورد من آثار عن ابن عمر وجابر، وأبي الدرداء وزيد بن ثابت، وابن عباس، رضي الله عنهم، فيصعب تصور وجوبها وجوبًا عامًّا، ثم يجهل هؤلاء الصحابة هذا الحكم، وهو يتعلق بأهم الأعمال في الإسلام، وكانوا ملازمين