للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[صحيح] (١).

وجه الاستدلال:

قال أبو عبيد القاسم بن سلام: «يتأوله كثير من الناس أنه نكس: أن يبدأ الرجل من آخر السورة فيقرأها إلى أولها، وهذا شيء ما أحسب أن أحدًا يطيقه، ولا كان هذا في زمان عبد الله، ولا أعرفه؛ ولكن وجهه عندي أن يبدأ من آخر القرآن من المعوذتين، ثم يرتفع إلى البقرة، كنحو ما يتعلم الصبيان في الكتاب؛ لأن السنة خلاف هذا ..... فكان أول القرآن فاتحة الكتاب، ثم البقرة إلى آخر القرآن؛ فإذا بدأ من المعوذتين صارت فاتحة الكتاب آخر القرآن، فكيف تسمى فاتحته، وقد جُعِلَتْ خاتمته؟ ...... وإنما جاءت الرخصة في تَعَلُّم الصبي والعَجَمِي من المفصَّل لصعوبة السور الطوال عليهما؛ فهذا عذر؛ فأمَّا من قرأ القرآن، وحفظه، ثم تعمَّد أن يقرأه من آخره إلى أوَّلِه، فهذا النكسُ المنهيّ عنه؛ وإذا كرهنا هذا، فنحن للنكس من آخر السورة إلى أوَّلها أشدُّ كراهة، إنْ كان ذلك يكون» (٢).

* ويجاب:

بأن قوله: (منكوس القلب) دليل على تحريم الفعل، ولم يقل أحد من العلماء: إن تنكيس السور محرم من لدن الصحابة إلى يومنا هذا، وإنما هو دائر بين الكراهة والجواز، وإنما الذي قيل فيه بالتحريم هو تنكيس الآيات؛ لأنه يخل بنظم القرآن ومعانيه وإعجازه، فيحمل كلام ابن مسعود عليه.

يقول الباقلاني: «إنما عنيا بذلك - يريد ابن مسعود وابن عمر- من يقرأ السورة منكوسة، ويبتدئ من آخرها إلى أولها؛ لأن ذلك حرام محظور ... وليس يريد بذلك من قرأ القرآن من أسفل إلى فوق، ومن بدأ بآل عمران وثنى بالبقرة، وكيف يريدون ذلك، وهم قد علموا اختلاف تأليف المصاحف، وأن في الأمة من يبدأ بحفظ ما خف من المفصل، ثم يرتفع إلى حفظ ما طال وصعب، ومنهم من يحفظ متفرقًا من المواضع المختلفة، ويتلوه كذلك، ومن يصلي به فرائضه، ونوافله على هذا الوجه، وهو غير مذموم بل عمل الأمة على تجويز ذلك، وأنه شائع مستقر إلى اليوم، وقول


(١). سبق تخريجه، انظر (ث-٣٤٤).
(٢). غريب الحديث للقاسم بن سلام (٤/ ١٠٣).

<<  <  ج: ص:  >  >>