للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الوجه الثاني: لو داوم النبي صلى الله عليه وسلم على ترتيب السور في الصلاة، ولم ينقل عنه مخالفته للترتيب، لقيل: إن مخالفة الترتيب خلاف الأولى، وهو أدنى صور الكراهة، فلما أُثِر التنكيس من فعله صلى الله عليه وسلم، ولم يحفظ نهي عن التنكيس، لم نكره ما فعله النبي صلى الله عليه وسلم، وقلنا باستحباب الترتيب؛ لكونه الأكثر من فعل النبي صلى الله عليه وسلم، ولا يلزم من ترك المستحب الوقوع في المكروه، والله أعلم.

الوجه الثالث: أن بيان الجواز يمكن أن يكون بفعله مرة واحدة، أما إذا فعل أكثر من مرة فلا يمكن القول بالجواز مع بقاء الكراهة.

الوجه الرابع: أن بيان الجواز يمكن أن يكون بالقول دون الحاجة إلى مواقعة المكروه شرعًا، والقول له عموم أكثر من الفعل؛ لأن الفعل يتطرق له احتمالات كثيرة، من دعوى النسيان والخصوصية، والاستحباب، وبيان الجواز، بخلاف القول.

الدليل الرابع:

(ح-١٤٠٨) ما رواه البخاري ومسلم من طريق عبد الله بن وهب، حدثنا عمرو، عن ابن أبي هلال، أن أبا الرجال: محمد بن عبد الرحمن، حدثه، عن أمه عمرة بنت عبد الرحمن، وكانت في حجر عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم،

عن عائشة: أن النبي صلى الله عليه وسلم بعث رجلًا على سرية، وكان يقرأ لأصحابه في صلاتهم، فيختم بقل هو الله أحد، فلما رجعوا ذكروا ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم، فقال: سلوه لأي شيء يصنع ذلك؟، فسألوه، فقال: لأنها صفة الرحمن، وأنا أحب أن أقرأ بها، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: أخبروه أن الله يحبه (١).

(ح-١٤٠٩) وروى البخاري معلقًا، قال: قال عبيد الله: عن ثابت،

عن أنس بن مالك رضي الله عنه، كان رجل من الأنصار يؤمهم في مسجد قباء، وكان كلما افتتح سورة يقرأ بها لهم في الصلاة مما يقرأ به افتتح: بقل هو الله أحد، حتى يفرغ منها، ثم يقرأ سورة أخرى معها، وكان يصنع ذلك في كل ركعة، فكلمه أصحابه، فقالوا: إنك تفتتح بهذه السورة، ثم لا ترى أنها تجزئك حتى تقرأ بأخرى، فإما تقرأ بها، وإما أن تدعها، وتقرأ بأخرى، فقال: ما أنا


(١). صحيح البخاري (٧٣٧٥)، وصحيح مسلم (٢٦٣ - ٨١٣).

<<  <  ج: ص:  >  >>