للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وفي قول للحنابلة الجمع بين الآية وبدلها من غير مراعاة للترتيب (١).

وجه هذا القول:

أن الشيء الواحد لا يكون أصلًا وبدلًا، ولأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر ذلك السائل بالجمل الخمس، ومنها الحمد لله، وهذه الكلمة من جملة الفاتحة، ولم يأمره بتكريرها.

ولأنه إذا قرأها مرة فقد أسقط فرضها، فيجب أن لا يعيدها، كمن وجد بعض ما يكفيه لغسله فإنه يستعمله، ثم ينتقل إلى البدل في الباقي.

* الراجح:

أضعف الأقوال في المسألة هو مذهب أبي حنيفة رحمه الله، القائل بأن فرض القراءة لا يتعين في الفاتحة، وأن مقدار الفرض آية واحدة ولو كانت قصيرة، وسبق بحث هذه المسألة في مبحث مستقل، وناقشت فيها مذهب الحنفية، فارجع إليه.

وبقي النظر بين مذهب المالكية القائلين بأن ما يعجز عنه يسقط بلا تكرار ولا بدل (أي بلا تعويض).

وبين قول الحنابلة القائلين بوجوب التكرار لا غير.

وبين قول الشافعية القائلين بوجوب الجمع بين المقدور عليه وبدله.

وأجد أن أدلة المالكية قوية جدًا، وأن البدل شرع في حال العجز عن الفاتحة، لا في حال القدرة على بعضها، إلا أن قولهم بوجوب الصلاة خلف من يحسنها قول ضعيف، لا دليل عليه، وهذا غير القول بوجوب الجماعة مطلقًا على من يحسن الفاتحة وغيره، لأن البحث إنما هو في وجوب الجماعة كشرط لصحة صلاة من لا يحسن الفاتحة، فإن ظاهر حديث ابن أبي أوفى، وهو حديث حسن أن النبي صلى الله عليه وسلم أرشده عند العجز عن كامل الفاتحة إلى الانتقال إلى الأذكار، وهو قول في مذهب المالكية، فيبقى النظر في تكرار ما يعرف من الفاتحة، فإنه وإن لم يكن هناك أدلة تقضي بوجوبه، إلا أن تكرار القرآن في الصلاة لا يفسدها، وإذا كان فيه احتياط للعبادة لا سيما الصلاة، فإن فعله يتأكد، وفعله مراعاة لخلاف الحنابلة


(١). المبدع (١/ ٣٨٩)، الإنصاف (٢/ ٥٢).

<<  <  ج: ص:  >  >>