للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

المقدمة الثانية: أن الأصل في الدعاء الإخفاء، قال تعالى: {ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِين} [الأعراف: ٥٥].

النتيجة: استحباب إخفاء التأمين.

فقوله: {ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً} أمر بالدعاء مقرونًا بالإخفاء، وظاهر الأمر للوجوب، فإن لم يحمل على الوجوب فلا أقل من دلالته على الندب، ثم قال: {إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِين} فجعل ترك التضرع والإخفاء من الاعتداء بالدعاء، والمعتدي بالعبادة لا يستحق ثوابًا، والله أعلم.

(ح-١٤٥٠) ولما رواه البخاري ومسلم من طريق عاصم، عن أبي عثمان،

عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه، قال: كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فكنا إذا أشرفنا على وادٍ، هللنا وكبرنا ارتفعت أصواتنا، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «يا أيها الناس ارْبَعُوا على أنفسكم، فإنكم لا تدعون أصمَّ ولا غائبًا، إنه معكم إنه سميع قريب، تبارك اسمه وتعالى جده، واللفظ للبخاري (١).

* ويجاب بأكثر من جواب:

الجواب الأول: أن الآية والحديث كل منهما عام، خُصَّ منهما الجهر بالتأمين لدليل خاص، والخاص يقضي على العام، فلا يصح الاستدلال بالعام على الخاص.

الجواب الثاني: أن التأمين ليس دعاء مستقلًا، بل هو من توابع الدعاء، والتابع له حكم متبوعه في الجهر والإسرار، فإذا جهر بالدعاء جهر بالتأمين، وإن أَسَرَّ الدعاء لم يجهر بالتأمين.

قال ابن قدامة: «وما ذكروه يبطل بآخر الفاتحة؛ فإنه دعاء، ويجهر به، ودعاء التشهد تابع له، فيتبعه في الإخفاء، وهذا تابع للقراءة، فيتبعها في الجهر» (٢).

وهذا كلام حسن، وإن كان المعوَّل عليه في الباب هو التوقيف فقد صح من حديث وائل أنه رفع صوته بالتأمين.

الدليل الرابع:

(ث-٣٥٦) ما رواه الطحاوي من طريق علي بن معبد، حدثنا أبو بكر بن


(١). صحيح البخاري (٢٩٩٢)، وصحيح مسلم (٤٤ - ٢٧٠٤).
(٢). المغني (١/ ٣٥٣).

<<  <  ج: ص:  >  >>