للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لم يذكر في مسألة جهر الإمام.

ولعل حجة هذا القول أن الجهر شرع من أجل إسماع المصلين في الصلاة الجهرية، فإذا صلى وحده لم يكن هناك حاجة للجهر.

فإن قيل: يرد عليه قوله تعالى: {وَلَا تَجْهَرْ بِصَلَاتِكَ وَلَا تُخَافِتْ بِهَا وَابْتَغِ بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلا} [الإسراء: ١١٠] فإذا كان يصلي وحده كان منهيًّا عن المبالغة في الجهر، وليس عن الجهر.

فالجواب: أن هذا الآية نزلت في صلاة الجماعة،

(ح-١٤٥٣) فقد روى البخاري ومسلم واللفظ لمسلم من طريق هشيم، أخبرنا أبو بشر، عن سعيد بن جبير،

عن ابن عباس، في قوله عز وجل: {وَلَا تَجْهَرْ بِصَلَاتِكَ وَلَا تُخَافِتْ بِهَا} [الإسراء: ١١٠] قال: نزلت ورسول الله صلى الله عليه وسلم متوارٍ بمكة، فكان إذا صلى بأصحابه رفع صوته بالقرآن، فإذا سمع ذلك المشركون سبوا القرآن ومن أنزله ومن جاء به، فقال الله تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم: {وَلَا تَجْهَرْ بِصَلَاتِكَ وَلَا} [الإسراء: ١١٠] فيسمع المشركون قراءتك {وَلَا تُخَافِتْ بِهَا} [الإسراء: ١١٠] عن أصحابك أسمعهم القرآن ولا تجهر ذلك الجهر {وَابْتَغِ بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلا} [الإسراء: ١١٠]،يقول: بين الجهر والمخافتة (١).

* ويمكن أن يُرَدَّ هذا:

بأن العبرة بعموم اللفظ، لا بخصوص السبب، وقوله: {وَلَا تَجْهَرْ بِصَلَاتِكَ} صلاة نكرة مضافة إلى المعرفة، فتعم كل صلاة يجهر بها، فرضًا كانت أم نفلًا.

* الراجح:

أن المنفرد مخير بين الجهر والإخفاء، فإن كان يرى في الجهر حضور القلب والاستمتاع بالقراءة، وطرد النوم، فالجهر في حقه أفضل، فإذا جهر بالقراءة جهر بالتأمين.

وإن كان يرى الإسرار أخشع، وأجمع لقلبه، أو تركه مراعاة لمن كان حوله نائمًا، فإذا أسرَّ بالقراءة أَسَرَّ بالتأمين تبعًا، والله أعلم.

* * *


(١). صحيح البخاري (٤٧٢٢)، ومسلم (١٤٥ - ٤٤٦).

<<  <  ج: ص:  >  >>