للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

• أجاب الجمهور بأجوبة منها:

الجواب الأول:

اختلف أهل الأصول في دلالة الأمر المجرد عن القرائن، أتفيد الوجوب، أم الندب، أم تفيد القدر المشترك بينهما، وهو مطلق الطلب؟ والأكثر على أنه للوجوب، لحديث: (لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك) (١)، على أن هذا الحديث وجدت فيه قرينة أنه قصد بالأمر الوجوب، وهو ترك الإلزام خوفًا من المشقة؛ إذ الندب لا مشقة فيه، وعلى التسليم بأن الصيغة للوجوب فإنه يتساهل في الصوارف فيصرف الأمر من الوجوب إلى الندب لأدنى صارف لأنك تجد أوامر في الشريعة قد صرفت عن الوجوب للندب ولا يعرف لها صارف إلا ما ينقدح في نظر المجتهد وفهمه، فحديث: (يا غلام سَمِّ الله وكل بيمينك) (٢)، فالتسمية للأكل عند جمهور الفقهاء ليست للوجوب، والصارف ليست قرينة لفظية منعت القول بالوجوب، كما لو نقل ترك التسمية أحيانًا، أو أقر النبي صلى الله عليه وسلم أحدًا على ترك التسمية، وإنما ظهر للمجتهد بأن هذا الأمر يتعلق بالآداب.

ومثله حديث: (إذا وقع الذباب في إناء أحدكم فليغمسه) (٣)، فإن الأمر بالغمس ليس للوجوب، بل ولا للندب، وإنما هو للإرشاد، والصارف ليس قرينة لفظية، وإنما كون الأمر يتعلق بالصحة، وقل مثل ذلك لأحاديث كثيرة صرفت من الوجوب للندب لقرينة معنوية ظهرت لفهم المجتهد، وهذا ما جعل الشاطبي رحمه الله يقول: إن دلالة الأمر والنهي وُكِلَت إلى أنظار المكلفين ليجتهدوا فيها (٤).

كما أن هذه الأحاديث هي ما جعلت شيخنا ابن عثيمين رحمه الله وهو الذي يقرر في دروسه طيلة حياته التعليمية الممتدة لأكثر من أربعين سنة بأن الأمر للوجوب، ليرجع في آخر حياته، ويقول في شرحه لقواعد الأصول ومعاقد الفصول بأن الأمر


(١). صحيح البخاري (٨٨٧)، وصحيح مسلم (٢٥٢).
(٢). صحيح البخاري (٥٣٧٦)، وصحيح مسلم (٢٠٢٢).
(٣). صحيح البخاري (٣٣٢٠).
(٤). الموافقات (٣/ ٤٠١).

<<  <  ج: ص:  >  >>