للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والعمري المكبر، وإن كان في حفظه شيء، إلا أنه ينقل كلامًا عن أخيه بما شاهده، فأظن تطرق الوهم لمثله بعيد، وليس من عادة الناس رد ما ينقله الأخ عن أخيه بحجة ضعف حفظه، والله أعلم.

وصرح الإمام مالك في الموطأ بأن تحية المسجد فعل حسن، وهذا التقدير يشعر بأنها أقل رتبة من السنن، قال مالك بعد أن روى حديث الأمر بالصلاة قبل الجلوس، قال: وذلك حسن، وليس بواجب (١).

وقال المروذي: «رأيت أبا عبد الله -يعني الإمام أحمد- كثيرًا يدخل المسجد، يقعد، ولا يصلي، ثم يخرج، ولا يصلي في أوقات الصلوات» (٢).

وقال حرب: «وسئل إسحاق عن الرجل يدخل المسجد، فيجلس، ولا يصلي ركعتين قال: لا بأس» (٣).

ولا يعلم لابن عمر رضي الله عنهما، ومن ذكر معه كجابر بن زيد، والقاسم بن محمد، ومالك، وابن أبي ذئب، وأحمد، وإسحاق، لا يعلم لهؤلاء مخالف، وهو مذهب الحنفية والمالكية، والشافعية، والحنابلة، فكان إجماعًا سكوتيًّا، ثم جاء بعد ذلك الإمام داود الظاهري فاجتهد رأيه في المسألة، فقال قولًا مخالفًا لمن سبقه معتمدًا على دلالة الصيغة، فخالف داود الإجماع السكوتي، فأما أن يكون هناك من نقل الإجماع القطعي قبل مخالفة داود فيصعب الجزم به، والله أعلم.

الدليل الثاني:

(ح-١٠٩٤) ما رواه أحمد، قال: حدثنا عبد الرحمن بن مهدي، عن معاوية يعني ابن صالح، عن أبي الزاهرية، قال:

كنت جالسًا مع عبد الله بن بسر يوم الجمعة، فجاء رجل يتخطى رقاب الناس، ورسول الله صلى الله عليه وسلم يخطب، فقال: اجلس، فقد آذيت، وآنيت (٤).


(١). الموطأ (١/ ١٦٢)، وانظر: التمهيد لابن عبد البر (٢٠/ ١٠٠)، المسالك في شرح موطأ مالك (٣/ ١٣٥).
(٢). فتح الباري لابن رجب (٣/ ٢٧٣).
(٣). مسائل حرب نَقلًا من الجامع لعلوم الإمام أحمد (٢١/ ٢٠٤)، فتح الباري لابن رجب (٣/ ٢٧١).
(٤). المسند (٤/ ١٩٠).

<<  <  ج: ص:  >  >>