للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

من شرط القول الراجح أن تكون جميع أدلته سالمة من الاعتراض، وحسبي لضعف القول بالوجوب أن هذا الفقه عارٍ عن فقه الصحابة، وفقه التابعين، وفقه تابعيهم بإحسان، ولا يعرف هذا إلا بعد إدبار القرون الثلاثة المفضلة، فلو كانت واجبة لكان أولى من يقول بهذا الحكم من كان تعلقهم في المسجد أكثر من تعلقهم في بيوتهم، وأسواقهم، ولا تنزع الحكم من دليله حتى يكون محاطًا بنور من فهم الأئمة، ولا ترع سمعك لمن يقول لك: أقول لك قال رسول الله صلى الله عليه وسلم وتقول: قال فلان وفلان، فإنما هذا رجل يدعوك لتقدم فهمه هو لكلام الرسول صلى الله عليه وسلم على فهم أمة من السلف، هم أعلم بدلالات النصوص، ومعاني الألفاظ وأحكم في معرفة مقاصد الشريعة، وإن طالب العلم أوثق لدينه، وأحكم لفقهه أن يقدم فهم الأئمة للأدلة على فهمه هو، أو فهم متأخر لم يتجاوز في نظره لحكم النص على دلالة النص اللغوية، ولم يكلف نفسه النظر إلى عمل الصحابة، وهم أهل اللسان، وفهم الأئمة من أصحاب القرون المفضلة، وهم أهل الفقه والاستنباط، وإن اللغة العربية هي إحدى الأدوات لفهم النص، وليست الأداة الوحيدة، فالمعنى الشرعي قد يكون أخص أو أعم من المعنى اللغوي، كما ذكرته لك عند الخلاف في معنى اشتمال الصماء، وكما أكدته لك عند كلامي على جراءة بعض المعاصرين في تحريم الأخذ من اللحية احتجاجًا بدلالة (أعفوا اللحى) اللغوية، وكما حصل انحراف المرجئة في تفسير الإيمان استنادًا إلى الحقيقة اللغوية، وليس هذا خاصًا في العبادات، فالربا لا يمكن فهمه استنادًا إلى اللغة، فهناك زيادة محرمة، وهناك زيادة مباحة، واللغة لا تفرق بين هذا وذاك، وكل البدع والتأويلات

الفاسدة جاءت من خلال هذا المسلك، فلا تجد بدعة ولا تأويلًا فاسدًا إلا وتجد أن أهلها أتوا من اعتمادهم على ظواهر بعض النصوص أو بعض العمومات، ولم يستوفوا أدوات فهم النص من خلال تناول النص بفهم الصحابة رضوان الله عليهم، ومن تبعهم بإحسان، والله أعلم.

* * *

<<  <  ج: ص:  >  >>