للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فيه احتياط وخروج من عهدة الطلب، والله أعلم.

الدليل الخامس:

قال النووي: «يجوز للمحدث الجلوس في المسجد بإجماع المسلمين، وسواء أَقَعَدَ لغرض شرعي كانتظار الصلاة، أو اعتكاف ... أم لغير غرض، ولا كراهة في ذلك، وقال المتولي: إن كان لغير غرض كره» (١).

وقال أيضًا: «أجمع المسلمون على جواز الجلوس في المسجد للمحدث» (٢).

وإطلاق الجواز أي المقابل للتحريم، وإلا فالكراهة قد قيل بها من بعض السلف، فلو كانت تحية المسجد واجبة لاشترطت الطهارة لدخول المسجد؛ لأن ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب، واختلفوا في دخول الجنب، فمنهم من منعه كالحنفية، والمالكية، ومنهم من أجاز المرور دون المكث كالشافعية، ومنهم من أجاز اللبث فيه إذا توضأ كالحنابلة، قال في الإنصاف: وهو من المفردات (٣).

قال الكوسج في مسائله لأحمد: يقعد في المسجد على غير طهارة؟

قال: أما غير طهارة فلا بأس، وأما الجنب فإذا توضأ، قال إسحاق: كما قال ... (٤).

• الراجح من الخلاف:

أرى أن القول باستحباب تحية المسجد أقوى من القول بوجوبها، وكون بعض الأدلة التي استدل بها الجمهور لا تسلم من المعارضة القوية، لا يعني ضعف القول بالاستحباب، فإنه يكفي أن يَسْلم للقول الراجح دليل واحد لا معارض له، وليس


(١). المجموع (٢/ ١٧٣).
(٢). شرح النووي على صحيح مسلم (٣/ ١٩٢).
وقال ابن بطال في شرح صحيح البخاري (٢/ ٩٦): «وقد اختلف السلف في جلوس المُحدث في المسجد فروي عن أبى الدرداء أنه خرج من المسجد فبال، ثم دخل وتحدث مع أصحابه ولم يمس ماءً، وعن على بن أبى طالب مثله، وروي ذلك عن عطاء، والنخعي، وسعيد بن جبير. وكره أن يتعمد الجلوس في المسجد على غير وضوء سعيدُ بن المسيب، والحسن البصري وقالا: يمر مَارًّا ولا يجلس فيه». وانظر: التوضيح لابن الملقن (٥/ ٥٢٨)،
(٣). فتح القدير لابن الهمام (١/ ١٦٥)، الفتاوى الهندية (١/ ٣٨)، التاج والإكليل (١/ ٤٦٣)، شرح الخرشي (١/ ١٧٤)، الإنصاف (١/ ٢٤٦)، شرح منتهى الإرادات (١/ ٨٢)، كشاف القناع (٢/ ٣٦٨).
(٤). مسائل أحمد وإسحاق (٢/ ٧٤٠).

<<  <  ج: ص:  >  >>