للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ورواه مسلم (١).

فكان النبي - صلى الله عليه وسلم - ربما أسمع الصحابة الآية أحيانًا في الصلاة السرية، وظاهر الحديث أن هذا يتكرر منه عليه الصلاة والسلام، وأقل ما يدل عليه فعل النبي - صلى الله عليه وسلم - الجواز، وإذا جازت المخالفة في الآية جازت المخالفة في أكثر منها.

قال ابن بطال: «وفى قول أبى قتادة: وكان يسمعنا الآية أحيانًا: دليل أنه كان ذلك من فعله على القصد إليه والمداومة عليه» (٢).

* ويناقش:

بأن الجهر اليسير لا يخرج الصلاة عن كونها سرية.

* ورد هذا:

بأننا لم نقل إن الجهر اليسير يخرج الصلاة عن السرية، ولكنه يرد دعوى أن النبي - صلى الله عليه وسلم - واظب على الجهر والإسرار في موضعه.

وإذا جاز ترك الإسرار في القليل جاز ذلك في الكثير خاصة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يحفظ عنه نهي في الباب، ومن ادعى التحريم في الكثير فعليه الدليل.

ولم يقل أحد: إن ترك الجهر والإسرار في موضعه سنة، غايته أنه ترك مستحبًّا من مستحبات الصلاة، وأما التحريم فيحتاج إلى دليلٍ بَيِّنٍ، وحجة واضحة، والله أعلم.

الوجه الثالث:

أن الاستدلال بحديث: (صلوا كما رأيتموني أصلي) على الوجوب فيه نظر كثير، وقد سبق أن بينت ذلك في مناقشة سابقة وذكرت بأن النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يكن يقتصر في صلاته على الفروض دون السنن، فالاستدلال بمثل هذا الأمر العام المشتمل على أحوال وهيئات، وصفات وأقوال، أحكامها مختلفة، لا يمكن أن يستدل على وجوبها بهذا العموم، إلا لو كان النبي - صلى الله عليه وسلم - قد اقتصر على الواجبات دون السنن طيلة بقاء مالك ابن الحويرث في زيارته للمدينة، وإذ لا يمكن دعوى ذلك فلا ينهض الحديث دليلًا على وجوب أفعال النبي - صلى الله عليه وسلم - في الصلاة، غاية ما يفيده حديث (صلوا كما رأيتموني


(١). سبق تخريجه، انظر (ح ١٥٧٤).
(٢). شرح البخاري لابن بطال (٢/ ٣٧٧).

<<  <  ج: ص:  >  >>