وكون تحية المسجد تتداخل مع بعض العبادات فلا يعني ذلك أنها ليست من النفل المؤكد، فهذا طواف الوادع يسقط بطواف الإفاضة إذا أخره الحاج على الصحيح، مع أن طواف الوادع طواف واجب خلافًا للمالكية، وغسل الجمعة يتداخل مع غسل الجنابة، مع أن القول بوجوب غسل الجمعة قول قوي جدًّا.
• ويناقش:
بأن التداخل بين العبادات باب أوسع من الحكم بأن هذه سنة مؤكدة، أو واجبة، ويدخل الأدنى بالأعلى، بشرط أن يكون الأدنى ليس مقصودًا لذاته، وليس العكس، فلو اغتسل بنية الجمعة ولم يَنْوِ رفع الحدث لم يرتفع حدثه، بخلاف العكس، فإذا نوى تحية المسجد لم تغنه عن السنة الراتبة، وإذا نوى نفلًا مطلقًا أغناه ذلك عن تحية المسجد، فإن كانت تحية المسجد سنة مؤكدة كيف قام الأدنى مقام الأعلى؟
• وأما الجواب عن الاشتغال بالنفل المطلق عن سماع الخطبة:
فأقول بهذه المسألة برأيي، والله أعلم بالصواب، قبل الجواب على هذه المسألة يجب أن نحرر: متى يجب على المصلي سماع الخطبة أيجب بمجرد الاستماع ولو كان خارج المسجد، أم يجب الاستماع بمجرد دخوله المسجد قبل أن يجلس، أم لا يجب الاستماع حتى يصلي تحية المسجد؟
فإن قيل بالأخير فلا يصح أن يقال: اشتغل بسنة عن واجب، ونظير هذا الرجل يدرك الإمام قائمًا في الصلاة، ويغلب على ظنه أن القيام الباقي قد لا يسع إلا مقدار الفاتحة، ومع ذلك له أن يستفتح قبل الفاتحة، والاشتغال بالاستفتاح اشتغال بسنة عن ركن أو واجب، ولا تثريب عليه إذا فاتت في أحد قولي أهل العلم؛ لأن هذا هو الترتيب المأمور به في الصلاة، مع أنه لو ترك الاستفتاح متعمدًا لم تبطل صلاته في أصح قولي أهل العلم، والله أعلم.
• وجه قول من قال: تحية المسجد ليست من النفل المؤكد:
الصلاة جنس يدخل تحتها أنواع، فالفرض والنفل المؤكد كالسنن الراتبة مركبة من نيتين: نية الصلاة، ونية كونها راتبة أو وترًا.