للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الاحتمال، فلم يكن هذا القول مقدمًا عند النووي.

والجزم بأنه جهر من أجل بيان الجواز قول ضعيف والله أعلم، فالأقوى منه القول بأنه أراد ليُعْلِمَ الأمة أنه يقرأ، وليقفوا على السورة التي كان يقرأ بها للتأسي، فإن حاجة الأمة إلى معرفة هذا لصحة صلاتهم أشد من حاجتهم إلى معرفة جواز الجهر بالسِّريَّة، فإنه لو لم يعرفه المصلي ما ضَرَّ صلاته، ولو كان الفعل لبيان جواز الجهر لجهر النبي - صلى الله عليه وسلم - بكل القراءة، ولما اقتصر على آية منها، خاصة أن الجهر بآية لا ينافي السرية، فلا دلالة فيه صريحة على جواز الجهر بكامل القراءة إلا عن طريق دلالة القياس، وذلك بالقول بجواز الجهر بكامل القراءة قياسًا على جواز الجهر بالآية منها، وقد ينازع المخالف بهذه الدلالة.

قال ابن رجب: قوله: (كان يسمعنا الآية أحيانًا): ظاهره: أنه كان يقصد ذلك، وقد يكون فعله ليعلمهم أنه يقرأ في الظهر والعصر، فإنه حصل لبعضهم شَكٌّ في ذلك» (١).

قلت: يقصد به ابن عباس،

(ح-١٥٨٩) فقد روى أحمد وأصحاب السنن وغيرهم من طريق موسى بن سالم أبي جهضم، عن عبد الله بن عبيد الله، قال:

دخلت على ابن عباس، في شباب من بني هاشم فقلنا لشاب منا: سَلِ ابن عباس أكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقرأ في الظهر والعصر؟ فقال: لا، لا، فقيل له: فلعله كان يقرأ في نفسه، فقال: خَمْشًا هذه شَرٌّ من الأولى، كان عبدًا مأمورًا بَلَّغَ ما أرسل به، وما اختصنا دون الناس بشيء إلا بثلاث خصال: أمرنا أن نسبغ الوضوء، وأن لا نأكل الصدقة، وأن لا ننزي الحمار على الفرس.

[صحيح] (٢).


(١). فتح الباري لابن رجب (٧/ ٨٦).
(٢). رواه إسماعيل بن علية كما في مسند أحمد (١/ ٢٢٥)، وسنن الترمذي (١٧٠١)، ومشكل الآثار للطحاوي (٢١٨)، ومسند أحمد بن منيع (إتحاف الخيرة ٥٣٤).
ووهيب بن خالد كما في مسند الإمام أحمد (١/ ٢٤٩)،
وعبد الوارث كما في سنن أبي داود (٨٠٨)، ومن طريقه البيهقي (١٠/ ٤٠).
ثلاثتهم رووه عن موسى بن سالم أبي جهضم، عن عبد الله بن عبيد الله بن عباس، عن ابن عباس، =

<<  <  ج: ص:  >  >>