للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ونفي البأس غاية ما يدل عليه هو الإباحة، وليس الاستحباب.

وقال ابن دقيق العيد: «الجهر بالشيء اليسير من الآيات في الصلاة السرية جائز مغتفر، لا يوجب سهوًا يقتضي السجود» (١).

فجعله من الجائز المغتفر، وليس من الأمور المطلوب فعلها.

كما أن الشافعي يرى أن المقصود بالجهر ليس الجهر نفسه، وإنما لإعلام من خلفه أنه يقرأ، وحتى لا يظن أحد أن المشروع في الصلاة السرية السكوت بلا قراءة، كما ظن ذلك ابن عباس، فكان يسمعهم الآية أحيانًا لغرض التعليم، كما جهر بعض الصحابة بدعاء الاستفتاح لغرض التعليم، وليس الجهر فيه من السنة.

وقال النووي: «هذا محمول على أنه أراد به بيان جواز الجهر في القراءة السرية، وأن الإسرار ليس بشرط لصحة الصلاة، بل هو سنة، ويحتمل أن الجهر بالآية كان يحصل بسبق اللسان للاستغراق في التدبر، والله أعلم» (٢).

فهنا النووي جزم بأن الفعل لبيان الجواز، وساق القول بأنه فعله من غير قصد احتمالًا بصيغة التمريض، وفي شرح المهذب سوَّى بينهما.

قال في المجموع: «وهذا محمول على أنه لغلبة الاستغراق في التدبر يحصل الجهر بالآية من غير قصد، أو أنه فعله لبيان جواز الجهر، وأنه لا تبطل به الصلاة، ولا يقضي سجود سهو، أو أنه ليعلمهم أنه يقرأ، أو أنه يقرأ السورة الفلانية» (٣).

فالقول بأنه سبق لسان قول ضعيف؛ لأن الأصل في أفعال النبي - صلى الله عليه وسلم - أنها مقصودة، وأفعاله التعبدية على التأسي، وحَمْلُ فعله على السهو من غير بيان لا يسوغ؛ لأنه يؤدي إلى أن يختلط المشروع بغيره، فلووقع من غير قصد لجاء البيان حفظًا للشريعة من التلبيس والخلط، وقد تعهد الله بحفظ الشريعة، وهذا ما فهمه الصحابي رضي الله عنه من قوله: (يُسْمِعُنا) دليل على أن المصطفى كان يتقصد إسماعهم، والنووي أَخَّر هذا القول وساقه بصيغة التمريض، وعلى طريقة


(١). إحكام الأحكام شرح عمدة الأحكام (١/ ٢٢٦).
(٢). شرح النووي على مسلم (٤/ ١٧٥).
(٣). المجموع شرح المهذب (٣/ ٣٨٦).

<<  <  ج: ص:  >  >>