للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

حين جهر، ولو كان يختلف الحكم إذا زاد في جهره على مقدار الآية لبينه النبي - صلى الله عليه وسلم -.

وقد فصلت حكم الجهر بالقراءة في مسألة مستقلة سابقة، فارجع إليه إن رمت الوقوف على أدلتهم.

وقيل: الإسرار في السرية شرط لصحة الصلاة، قال ابن أبي ليلى: من جهر فيما يسر به أعاد بهم الصلاة إن كان إمامًا (١).

وهذا القول شاذ، فإن الجهر والإسرار ليس فيهما إلا فعل الرسول - صلى الله عليه وسلم -، ولم يحفظ في السنة أمر منه بهما، وأفعاله التعبدية على الاستحباب، لا على الوجوب، إلا ما كان منها بيانًا لمجمل واجب، وليس هذا منها.

وقال ابن بطال: «وفى قول أبى قتادة: وكان يسمعنا الآية أحيانًا: دليل أنه كان ذلك من فعله على القصد إليه والمداومة عليه» (٢).

واعتبر القاضي عياض: أن الجهر بالآية في الصلاة السرية دون الجهر المعتاد بالصلوات الجهرية، وهو نوع من الجهر الخفيف، فإذا جهر بهذه الصفة فلا شيء فيه (٣).

هل أراد القاضي عياض أن يقول: إن الجهر الخفيف لا يعطى حكم الجهر، إن كان أراد ذلك فهو قول ضعيف، ومخالف للمذهب.

فالمالكية يرون أن أدنى الجهر أن يسمع نفسه، ومن يليه (٤)، وقد قال أبو قتادة: ويسمعنا الآية، فعبر بلفظ الجمع، فهو مقطوع بإسماع من يليه.

وقال الشافعي: «لا نرى بأسًا أن يتعمد الرجل الجهر بالشيء من القرآن؛ ليعلم من خلفه أنه يقرأ» (٥).


(١). المسالك في شرح موطأ مالك (٢/ ٣٥٤).
(٢). شرح البخاري لابن بطال (٢/ ٣٧٧).
(٣). انظر إكمال المعلم (٢/ ٣٦٧).
(٤). شرح ابن ناجي على الرسالة (١/ ١٦٠)، مواهب الجليل (١/ ٥٢٥)، شرح الخرشي (١/ ٢٧٥)، حاشية الدسوقي (١/ ٢٧٦).
(٥). معرفة السنن والآثار (٣/ ٢٩١)، وانظر فتح الباري (٧/ ٨٦).

<<  <  ج: ص:  >  >>