للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الكثير، هذا إذا كان الحنفية يقولون بإباحة الجهر في الآية والآيتين، فلا علاقة في مذهبهم بين ترتب السجود على الفعل وبين إباحة الفعل؛ لأن السجود متعلق بفعله سهوًا، والساهي لا إثم عليه، والنبي - صلى الله عليه وسلم - لم يفعله ساهيًا، بدليل قول الصحابي: (ويسمعنا الآية أحيانًا) أي يقصد إسماعهم، والتحريم عند الحنفية يتعلق بفعله عامدًا، والعامد لا سجود عليه، ولو كان كثيرًا.

ولهذا جاء في التجريد للقدوري: «أن هذا فَعَلَه -يعني النبي - صلى الله عليه وسلم - على وجه العمد، وعندنا لا يثبت السجود فيما تعمده» (١).

وهذا الجواب قد يدفع الإيراد عليهم بعدم سجود النبي - صلى الله عليه وسلم - للسهو، ولكنه لا يُخَلِّصهم من القول بأن من جهر في صلاته عامدًا فقد أساء، فإن جهر النبي - صلى الله عليه وسلم - أَقَلُّ ما يدل عليه هو الجواز، إن لم يدل على الاستحباب.

وذكر في الخلاصة نقلًا من البحر الرائق: «أنه لو أسمع رجلًا أو رجلين لا يكون جهرًا، والجهر أن يسمع الكل» (٢).

وهذا من أضعفها؛ فهل يقول الحنفية فيما يجب فيه الجهر عندهم أنه لو أسمع بعض المأمومين لا يكون قائمًا بالواجب حتى يسمع الكل؟.

ولأن قول الصحابي: (ويسمعنا الآية)، ظاهره أنه يسمع جميع المصلين وأَقَلُّه أنه قد أسمع أغلبهم، لا بعضهم.

هذا ملخص الأقوال في مذهب الحنفية، وكلامهم في مسألتين:

إحداهما: أن الجهر والإخفات في موضعه واجب مطلقًا، فلا يجهر ولو بكلمة واحدة.

الثانية: أنهم قد اختلفوا فيما يتعلق به سجود السهو، فقيل: إذا جهر بكلمة، وقيل: بحرف، وقيل: بآية ولو قصيرة، وقيل: بآية طويلة أو ثلاث آيات قصيرة.

والحق أن الجهر لا يتعلق به سجود سهو، سواء أكان ذلك بقدر ما جهر به النبي - صلى الله عليه وسلم -، أم كان بأكثر من ذلك، وسواء أكان ساهيًا أم كان عامدًا، فلم يسجد النبي - صلى الله عليه وسلم -


(١). التجريد للقدوري (٢/ ٧٠٨).
(٢). البحر الرائق (٢/ ١٠٥).

<<  <  ج: ص:  >  >>