وإذا كان ذلك كذلك: فما هو الضابط في الحكم على قراءة بأنها قراءة صحيحة؟
وإذا حكمنا على قراءة ما بأنها شاذة، فهل يجوز القراءة بها في الصلاة؟
وإذا كان لا يجوز القراءة بها في الصلاة، فهل تكون حجة في استنباط الأحكام باعتبارها خبرًا من الأخبار؟
هذا ما سوف أعرج عليه في مباحث هذه الفقرة من البحث، وإن كانت هذه المسألة يطلب بحثها في علوم القرآن، فالمرجع في كل فن إلى خاصة أهله، وإن أُدْرِجَت هذه المسألة ضمن مباحث أصول الفقه حيث تذكر في مباحث دليل الكتاب، وليست من مسائل الفروع، إلا أن خوض بعض المتكلمين في المسألة يستفاد منه على حذر، فإن كلامهم للتنظير وليس لكثير منهم ممارسة من جهة التطبيق العملي، كخوضهم في شروط الحديث الصحيح وزيادة الثقة والشاذ، والموقف من تعارض الوصل والإرسال، والإسناد والوقف، فكان كلام كثير منهم لا علاقة له بما جرى عليه عمل أئمة العلل من المحدثين والذين يتعاملون مع الأحاديث فردًا فردًا، كما يتعامل الفقيه مع فروعه.
فلنأخذ هذه المسائل مسألة مسألة، وليكن المدخل إليها في تعريف القراءة الصحيحة من القراءة الشاذة.
تعريف القراءة الشاذة:
[م-٦٠٩] اختلف العلماء في تعريف القراءة الشاذة على أقوال، أصحها ما اختاره جمهور المحققين:
يقول ابن الجزري في معرفة ضابط القراءة الصحيحة من القراءة الشاذة:«كل قراءة وافقت العربية، ولو بوجه، ووافقت أحد المصاحف العثمانية، ولو احتمالًا، وصح سندها، فهي القراءة الصحيحة التي لا يجوز ردها، ولا يحل إنكارها، بل هي من الأحرف السبعة التي نزل بها القرآن، ووجب على الناس قبولها، سواء أكانت عن الأئمة السبعة، أم عن العشرة، أم عن غيرهم من الأئمة المقبولين، ومتى اخْتَلَّ ركن من هذه الأركان الثلاثة أطلق عليها ضعيفة، أو شاذة، أو باطلة، سواء أكانت عن السبعة، أم كانت عمن هو أكبر منهم»(١).