للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ويقول أبو شامة: «فليس الأقرب في ضبط هذا الفصل إلا ما قد ذكرناه مرارًا من أن كل قراءة اشتهرت بعد صحة إسنادها، وموافقتها خط المصحف، ولم تنكر من جهة العربية، فهي القراءة المعتمد عليها، وما عدا ذلك داخل في حيز الشاذ والضعيف، وبعض ذلك أقوى من بعض».

ويقول ابن القيم: «لا يجب على الإنسان التقيد بقراءة السبعة المشهورين باتفاق المسلمين، بل إذا وافقت القراءة رسم المصحف الإمام، وصحت في العربية، وصح سندها جازت القراءة بها، وصحت الصلاة بها اتفاقًا» (١).

فذكروا ثلاثة شروط أو أركان للقراءة الصحيحة:

الركن الأول: أن يصح سندها، وبعضهم اشترط مع صحة الإسناد أن تنقل نقلًا متواترًا أو مستفيضًا (٢).

فما لم يصح سنده منها لا تثبت قراءةً، ولا يقرأ بها، وإن كان بعضهم يصفها بالقراءة الشاذة، فالذي يظهر لي أن ما لا يثبت قراءة لا توصف بالشذوذ، فإما أن تكون ضعيفة أو باطلة، وليس الشاذ في القراءة كالشاذ في الحديث، فالشاذ في القراءة قد تثبت قراءة، ولكن لا يقطع الباحث بقرآنيتها، ولا بعدمه؛ لعدم الإجماع عليها كما سيأتي بيانه إن شاء الله تعالى، والشاذ في الحديث لا يعتبر به؛ لأنه من قبيل الوهم؛ لمخالفة الثقة من هو أوثق منه في مخرج الحديث (٣).


(١). أعلام الموقعين، تحقيق فضيلة الشيخ مشهور (٦/ ٢٠٥).
(٢). انظر تفسير ابن جزي (١/ ٢٣).
(٣). نقل ابن الجزري عن الإمام أبي محمد المكي في النشر قوله: فإن سأل سائل فقال: فما الذي يقبل من القرآن الآن فيقرأ به؟ وما الذي لا يقبل ولا يقرأ به؟ وما الذي يقبل ولا يقرأ به؟ ... ثم ذكر هذه الأقسام الثلاثة.
فجعل القسمة ثلاثًا: الأول: ما جمع بين القرآن والقراءة، وهو ما اجتمع فيه شروط القراءة الصحيحة، فذلك الذي يعتبر قراءة وقرآنًا.
والثاني: ما لا يصح أن يكون قرآنًا، ولا يثبت قراءة، فذلك الذي لم يصح إسناده، أو نقله ثقة، ولا وجه له في العربية، وإذا لم يثبت قراءة، لم يوصف بالشذوذ، بل بالبطلان.
والثالث: ما كان قراءة، وليس بقرآن، وهو ما صح سنده، وكان له وجه في العربية، وخالف رسم المصاحف العثمانية، فهذا الذي يصدق عليه أنه شاذ، وجاء شذوذه من مخالفته رسم المصحف العثماني، وبهذا تعرف أن القول بأن ما اختل فيه شرط من شروط القراءة الصحيحة أطلق عليه شاذ أن في ذلك توسعًا غير مرضيٍّ، والله أعلم.

<<  <  ج: ص:  >  >>