للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الناس اليوم بالشام، والعراق، ومصر، والحجاز ... » (١).

ويقول ابن عابدين: «القرآن الذي تجوز به الصلاة بالاتفاق هو المضبوط في مصاحف الأئمة التي بعث بها عثمان - رضي الله عنه - إلى الأمصار، وهو الذي أجمع عليه الأئمة العشرة، وهذا هو المتواتر جملة وتفصيلًا، فما فوق السبعة إلى العشرة غير شاذ، وإنما الشاذ ما وراء العشرة وهو الصحيح، وتمام تحقيق ذلك في فتاوى العلامة قاسم» (٢).

وسبب الاختلاف بين الحَدِّ بالسبع أو الحَدِّ بالعشر اعتقادهم أن الشاذ من القراءات ما عدا المتواتر منها، وعليه اختلفوا في تحديد الشاذ لاختلافهم في تحديد المتواتر منها، فمن رأى أن القراءات السبع متواترة، رأى أن ما عداها شاذة، ومن رأى أن العشر كلها متواترة، جعل ما عدا العشر شاذَّةً، ولم يتفق القراء فضلًا عن غيرهم على تواتر جميع آحاد السبع فما بالك بدعوى تواتر آحاد العشر.

ويلزم من هذا القول أن جميع القراءات العشر موافقة لرسم المصحف العثماني، وأسانيدها إلى الأئمة صحيحة، فلا يوجد إذن خلاف بينه وبين القول الذي لا يحد القراءة الصحيحة بأئمة معينين، فالخلاف بينهم إنما هو من باب تحقيق المناط، هل كل قراءة من قراءات الأئمة العشرة موافقة لرسم المصحف العثماني، والطرق إليها كلها صحيحة، وموافقة للغة العربية، فتكون قراءة صحيحة لموافقتها شروط القراءة الصحيحة، بصرف النظر عن دعوى تواترها من غيره، أم أن دعوى أن الطرق إلى هؤلاء الأئمة فيها المتواتر وهو الأغلب، وفيها الآحاد


(١). كان هذا قولًا قديمًا لابن الجزري حين كان يذهب إلى اشتراط التواتر في ضابط القراءة الصحيحة، حيث يقول في منجد المقرئين ومرشد الطالبين (ص: ٢٤): «كل قراءة وافقت العربية مطلقًا، ووافقت أحد المصاحف العثمانية، ولو تقديرًا، وتواتر نقلها، هذه هي القراءة المتواترة المقطوع بها».
ثم رجع عن هذا القول إلى الاكتفاء باشتراط صحة النقل، كما نقلت ذلك عنه سابقًا في صدر هذا البحث، وكما سيأتي النقل عنه صريحًا بأنه رجع عن اشتراط التواتر.
وانظر: تفسير الماتريدي (١/ ٦٠)، حاشية الشهاب على تفسير البيضاوي (١/ ١٥)،
(٢). حاشية ابن عابدين (١/ ٤٨٦).

<<  <  ج: ص:  >  >>