فاختلاف القراء في القراءات من اختلاف صفات العبادة إذا وردت على وجوه متعددة، فكلها حق وصواب نَزَلَ من عند الله، وهو كلامه لا شك فيه، وإلى ذلك أشار النبي - صلى الله عليه وسلم - حيث صَوَّب النبي - صلى الله عليه وسلم - قراءة كل من المختَلِفَيْنِ، وقطع بأنها كذلك أنزلت من عند الله، فلا ترد القراءة لمجرد مخالفتها رسم المصحف إذا كان النقلة لها ثقاتًا، ووافقت العربية، بخلاف اختلاف الفقهاء: فهو اختلاف اجتهادي، والحق مظنون في أحدها لا في كلها، ولا يتعدد بتعدد الاختلاف.
(ح-١٦٠٢) وقد روى البخاري من طريق إبراهيم (النخعي)، عن مسروق،
ذَكَر عبد الله بن عمرو عبدَ الله بن مسعود فقال: لا أزال أحبه، سمعت النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول: خذوا القرآن من أربعة: من عبد الله بن مسعود، وسالم، ومعاذ بن جبل، وأُبَيِّ بن كعب، ورواه مسلم (١).
الدليل الرابع:
لم يكن مصطلح الشاذ معروفًا في عصر الوحي، ولا في خلافة أبي بكر وعمر رضي الله عنهما حتى جمع الخليفة الراشد عثمان مصحفه، وكثر القراء في القرن الأول والثاني وكثرت اختلافاتهم، فظهر اصطلاح الشاذ، وكان الحكم بين هذه الاختلافات بعد صحة إسنادها، وموافقتها لكلام العرب الذي أنزل به القرآن، هو موافقتها أو مخالفتها لخط المصاحف العثمانية، فما وافقها كان قراءة وقرآنًا، وما خالفها حكم عليه بالشذوذ، ولا يعني مخالفتها للمصحف العثماني القطع ببطلانها؛ لأن المصاحف العثمانية حرف من الأحرف السبعة كما سبق، و لو كانت باطلةً لكانت باطلة في خلافة أبي بكر وعمر وصدرًا من خلافة عثمان، والله أعلم.
* يناقش:
بما سبق ذكره بأن القراءات الشاذة لا نقطع ببطلانها إذا صح سندها، ووافقت العربية، ولكن لا نقطع بقرآنيتها أيضًا؛ لمخالفتها المصحف المجمع عليه، فنقبلها قراءة، ولا نقبلها قرآنًا، والصلاة إنما تصح بما نقطع بأنه قرآن، والله أعلم.
(١). صحيح البخاري (٤٩٩٩)، وصحيح مسلم (١١٨ - ٢٤٦٤).