التعاشير عليه غاية ما في الأمر أنها لم تنقل متواترة، وهذا لا يسقط حجيتها؛ لأنها مسموعة من النبي - صلى الله عليه وسلم - في الجملة.
الدليل الثاني:
المنقول بطريق الآحاد لا يخلو إما أن يكون قرآنًا أو خبرًا عن النبي - صلى الله عليه وسلم -، وكل واحد منهما يجب العمل به، وكل ما وجب العمل به فهو حجة فإن كان قرآنًا فالعمل به واجب، وإن كان خبرًا عن النبي - صلى الله عليه وسلم -، فخبر الواحد العدل الثقة قد اتفق العلماء على وجوب العمل به، فيجب قبوله كسائر منقولاته.
وقد يكون قرآنًا ونسخت تلاوته ولم يطلع على الناسخ، وقد يكون الصحابي سمعه تفسيرًا فظنه قرآنًا، فيثبت له رتبة الخبر، ففي الجملة لا يخرج عن كونه مسموعًا من النبي - صلى الله عليه وسلم -، ومرويًّا عنه، وعلى كل تقدير فهو حجة.
وأما احتمال كونه مذهبًا للراوي فهو بعيد جدًّا فلا يظن ذلك بآحاد المسلمين أن يدخل مذهبه في مصحفه ويدعي أنه قرآن فما بالك بالصحابة خير القرون، وقد توعد الله سبحانه وتعالى من فعل ذلك بقوله سبحانه:{فَوَيْلٌ لِّلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتَابَ بِأَيْدِيهِمْ ثُمَّ يَقُولُونَ هَذَا مِنْ عِندِ اللّهِ}[البقرة: ٧٩]، ومع التسليم بأنه مذهب للصحابي فإن الأثر إذا جاء عن الصحابة مقدم على الرأي، إذا لم يعارض نصًّا، ولم يعارضه أثر مثله، والله أعلم.
* ونوقش:
بأنه لا يصح قرآنًا كما لا يصح خبرًا.
أما كونه لا يصح قرآنًا؛ فلأنه لو كان قرآنًا لنقل نقلًا متواترًا؛ فاهتمام الصحابة بالقرآن يمنع تقصيرهم في كتاب الله حتى لا ينقل عنهم إلا بطريق الآحاد.
وأما كونه لا يصح خبرًا؛ فلأن الصحابي لم يُصَرِّحْ بكونه خبرًا، جاء في الإحكام للآمدي: «أجمع المسلمون على أن كل خبر لم يُصَرَّحْ بكونه خبرًا عن النبي - صلى الله عليه وسلم - فليس بحجة، وما نحن فيه كذلك، ولا يخفى أن الحمل على المذهب مع أنه مختلف في الاحتجاج به أولى من حمله على الخبر الذي ما صرح فيه بالخبرية مع أنه ليس بحجة بالاتفاق.