للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والتدليل فلا حاجة لإعادته، فارجع إليه.

وأما قولكم: إن النبي عليه السلام كان يجب عليه إلقاء القرآن على طائفة تقوم الحجة القاطعة بقولهم، فهذا دعوى في محل النزاع، فلا نسلم ذلك، وكيف يمكن دعواه مع أن حفاظ القرآن في زمانه عليه السلام، لم يبلغوا عدد التواتر لقلتهم، وقد جمعوه بطريق تلقي آحاد آياته من الآحاد.

ولوكان النبي - صلى الله عليه وسلم - قد ألقاه على طائفة تقوم الحجة القاطعة بقولهم لما اختلفت مصاحف الصحابة، ولهذا اختلفوا في البسملة أهي آية من القرآن أم ذكرت للتبرك، واختلف عمر رضي الله عنه مع هشام بن حكيم في صفة قراءة سورة الفرقان.

ولو سلمنا وجوب ذلك على النبي - صلى الله عليه وسلم -، وأنه سمع منه جمع تقوم الحجة بقولهم، لكن إنما يمتنع السكوت عن نقله على الكل لعصمتهم عن الخطأ، ولا يمتنع ذلك بالنسبة إلى بعضهم، وإذا كان ابن مسعود من جملتهم، وقد روى ما رواه فلم يقع الاتفاق من الكل على الخطأ بالسكوت، وعند ذلك يتعين حمل روايته لذلك في مصحفه على أنه من القرآن؛ وقد زكاه النبي - صلى الله عليه وسلم - وأمر بأخذ القرآن عنه، ولم يوجد ما يعارضه (١).

وأما قولكم: بأنه لا يقبل خبرًا؛ لأنه لم يصرح بأنه سمعه من النبي - صلى الله عليه وسلم -، فهذا غير صحيح، فإن الصحابي حين رواه قرآنًا أثبت له أمرين:

الأول: قرآنيته، والثاني: تلقيه من النبي - صلى الله عليه وسلم -؛ لأن القرآن إنما يتلقاه الصحابة من النبي - صلى الله عليه وسلم -، وليس بالاجتهاد والرأي، فإذا لم يثبت الأول؛ لكونه آحادًا حسب زعمكم، فقد ثبت الثاني؛ فإنه يلزم من رواية الصحابي على أنه قرآن أن يكون قد سمعه من النبي - صلى الله عليه وسلم -، وهل يتلقى القرآن إلا منه - صلى الله عليه وسلم -؟

وإذا كان العلماء جعلوا أقوال الصحابة التي لا مجال للرأي فيها في حكم المرفوع، وهم لم يصرحوا بإضافة الخبر إلى النبي - صلى الله عليه وسلم -، فهذا أولى أن يكون مرفوعًا؛ لأن الصحابي لما ظنه قرآنًا لزم منه سماعه من النبي - صلى الله عليه وسلم -، فإذا لم يثبت أنه قرآن، فلا مجال لإسقاط سماعه من النبي - صلى الله عليه وسلم -، والله أعلم.


(١). انظر: دراسات أصولية في القرآن الكريم (ص: ٥٠).

<<  <  ج: ص:  >  >>