للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كل هذا يدل أن التكبير في غير الإحرام لم يتلقه السلف على أنه واجب لازم من واجبات الصلاة، وقد فعله جماعة من السلف، وتركه جماعة، ولم يقل أحد ممن فعله للذي لم يفعله: إن صلاتك لا تتم إلا به، فكان هذا شأن السنن (١).

* وأجيب عن هذا الاستدلال بأجوبة منها:

الجواب الأول:

أن هذا مما أحدثه الناس بعد النبي - صلى الله عليه وسلم -، حتى كان الأمراء يؤخرون الصلاة عن وقتها، ولا حجة فيه، بل الحجة فيما فعله النبي - صلى الله عليه وسلم -.

قال ابن المنذر: «ولا حجة في أحد مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ... فغير جائز دفع ما ثبتت به الأخبار عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بقول أحد».

* ورد هذا الجواب من وجهين:

الوجه الأول:

أن هذا الكلام متوجه لو كان الناس يذهبون إلى القول بعدم مشروعية التكبير، أو كان هناك سنة مرفوعة صريحة في وجوب التكبير، ثم يدع الناس التكبير، فيقال: لا حجة في قول أحد، ولا في فعله إذا قضى الله ورسوله - صلى الله عليه وسلم - أمرًا أن يكون له الخيرة من أمره.

فثبوت التكبير من فعله عليه الصلاة والسلام يثبت مشروعيته، ولا جدال في ذلك، لكنه لا يستفاد من الفعل الوجوب، وكيف يستفاد مع ترك كثير من العامة التكبير في عصر كان الصحابة فيه متواجدين، ولم يُنْكَر الترك، والقول بأن الحجة فيما فعله النبي - صلى الله عليه وسلم - هذا الكلام ظاهره التمسك بالسنة، وباطنه تقديم فهمنا على فهم الصحابة وعلى فهم السلف، فالتمسوا في فهم دينكم ما فهمه الصحابة والتابعون لهم بإحسان، والقول بأن التكبير سنة هو مذهب أبي حنفية، ومالك والشافعي، ورواية عن أحمد، وكما قال ابن عبد البر: عليه جماهير الأمصار.

الوجه الثاني:

القول بأن هذا مما أحدثه الأمراء لا يسلم، بل إن الترك كان من عامة الناس، مصحوبًا بإقرار الصحابة رضوان الله عليهم، وكانوا يصلون خلفهم، وهل في الناس من هو أنصح


(١). انظر بتصرف شرح البخاري لابن بطال (٢/ ٤٠٣).

<<  <  ج: ص:  >  >>