من صحابة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ثم لا تجد نصًّا ينكر على من ترك التكبير. حتى خفي ذلك على عكرمة، وجعله يصف من يكبر بالأحمق، هذا لا نظنه من أنفسنا وإخواننا، فكيف نظنه بالصحابة رضوان الله عليهم.
الجواب الثاني:
أن الترك المنسوب في الصدر الأول إنما هو على ترك الجهر، لا على ترك التكبير، أو على نقصه إذا انحط إلى السجود، وإذا أراد أن يسجد السجدة الثانية؛ لأن الخفض يشاهد بالأبصار، فظنوا أن الإمام لا يحتاج إلى الجهر؛ لأنه يرى ركوعه ويرى سجوده بخلاف الرفع من الركوع والسجود، فيحتاج للتكبير للإعلام به، لإمكان الاقتداء (١).
* ورد هذا:
إذا لم يسمع التكبير من الإمام، فدعوى أنه يكبر سِرًّا خلاف الظاهر، ولهذا الصحابة رضوان الله عليهم استدلوا على قراءة النبي - صلى الله عليه وسلم - في السرية على اضطراب لحيته، ولم يعتمدوا على قياس قراءته في السرية على قراءته في الجهرية؛ باعتبار الجميع عبادة من جنس واحد، فأين الدليل على أنه كان يكبر سرًّا.
بل إن ما رواه البخاري عن عكرمة، حين قال: صليت خلف شيخ بمكة فكبر ثنتين وعشرين تكبيرة، فقلت: لابن عباس: إنه أحمق ... فقوله:(فكبر ثنتين وعشرين) ظاهره يدل على أن الإنكار للتكبير، وليس متوجهًا للجهر به فقط، فحمل الإنكار على الجهر خلاف الظاهر.
وإذا انتقص التكبير في حال الركوع وفي حال السجود، كان هذا دليلًا على عدم الوجوب، فإن الجهر في حال الركوع وفي حال السجود لم يكن من أجل وجوب التكبير، وإنما من أجل الاقتداء، فهو بمنزلة من يبلغ عن الإمام في حال ضعفه، فلا يجب التبليغ لذاته، ويؤخذ منه أنه لا يجب التكبير على المأموم، ولا على المنفرد لعدم الحاجة إلى الاقتداء به.
(١). انظر: مجموع الفتاوى لابن تيمية (٢٢/ ٥٨٦، ٥٨٧، ٥٨٨).