أبي بكر، فقال: أيها الناس، إنه لم يَبْقَ من مبشرات النبوة إلا الرؤيا الصالحة، يراها المسلم، أو ترى له، ألا وإني نهيت أن أقرأ القرآن راكعًا أو ساجدًا، فأما الركوع فعظموا فيه الرب عز وجل، وأما السجود فاجتهدوا في الدعاء، فقمن أن يستجاب لكم (١).
وجه الاستدلال:
أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أمر في الركوع بالتعظيم للرب، وأمر في السجود بالاجتهاد في الدعاء، وإذا كان التعظيم والدعاء فيهما ليسا واجبين، مع صحة الأمر بهما في هذا الحديث الصحيح، فكيف يجب التسبيح فيهما، مع أن الأمر بالتسبيح لم يثبت بدليل صحيح، غاية ما جاء فيه أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يسبح فيهما، وهذا لا يكفي للقول بالوجوب، وكل حديث روي فيه الأمر بالتسبيح فهو معلول.
* ونوقش:
الأمر بتعظيم الرب هذه الصيغة إما أن تكون دلالتها مطلقة، وإما أن تكون مجملة، فإن كانت من قبيل المجمل فقد بينه النبي - صلى الله عليه وسلم - وقد نقل عنه أنه كان يسبح كما في حديث حذيفة في مسلم.
وإن كان من قبيل الإطلاق، فلا دلالة فيه على وجوب التسبيح، لكنه لا ينفي وجوب التسبيح بدليل آخر، وقد يكون المراد من سياق حديث ابن عباس دفع ما قد يتوهمه البعض من أن الواجب في الركوع والسجود الاقتصار على التسبيح، فأشار الحديث بأن السجود من مواضع الدعاء، فيجتهد فيه المصلي بالدعاء مع التسبيح المستفاد من الأدلة الأخرى، وأن الركوع موضع لتعظيم الرب، فيجتهد فيه المصلي بالثناء المتضمن للتعظيم مع التسبيح.
* ورد هذا الجواب من وجهين:
الوجه الأول:
كون الحديث لا ينفي إيجاب التسبيح بدليل آخر، هذا صحيح لكن النزاع بين
(١). صحيح مسلم (٢٠٧ - ٤٧٩)، وقد تكلم الإمام أحمد في إسناده، وسيأتي تخريجه إن شاء الله تعالى في حكم الدعاء في الركوع.