للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الفريقين إنما هو في ثبوت صحة هذا الدليل الآخر، فالقائل بعدم الوجوب وهم جمهور الفقهاء يرون أن الأمر بالتسبيح في الركوع والسجود لم يثبت في حديث صحيح، وكل الأحاديث الصحيحة بالتسبيح لا تفيد الوجوب، والمشروعية ليست محل النزاع.

الوجه الثاني:

تعظيم الرب ليس من قبيل المجمل، بل هو مطلق؛ لأن الإجمال هو ما احتمل أكثر من معنى، ولم يترجح أحدها، فالأمر بتعظيم الرب في الركوع لا يحتمل إلا معنى واحدًا. وأما تنزيه الرب بالتسبيح فهو فرد من أذكار كثيرة كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يعظم فيها ربه، وقد مر معنا حديث علي رضي الله عنه في مسلم، وفيه: (وإذا ركع، قال: اللهم لك ركعت، وبك آمنت، ولك أسلمت، خشع لك سمعي، وبصري، ومخي، وعظمي، وعصبي ... وإذا سجد، قال: اللهم لك سجدت، وبك آمنت، ولك أسلمت، سجد وجهي للذي خلقه، وصوره، وشق سمعه وبصره، تبارك الله أحسن الخالقين .... الحديث (١).

فهذا نوع من التعظيم في الركوع، ودعوى أنه كان يقوله مع التسبيح فهو مجرد دعوى، وظاهر حديث عليٍّ الاقتصار عليه، ولو سلم أنه كان يقوله مع التسبيح فكلاهما من قبيل الذكر المسنون؛ لأن الفعل لا يقتضي الوجوب، والأمر بأحدهما لا يثبت في حديث صحيح.

الدليل السادس:

أن الركوع والسجود ركنان في الصلاة فلم يجب فيهما تسبيح كالقيام (٢).

* ويناقش:

بأن كل ركن له ذكر واجب يناسبه، فالقيام مختص بأعلى الذكر، وهو قراءة القرآن، والفاتحة فيه ركن، وليست واجبة على الصحيح، والركوع والسجود مختص بالتسبيح؛ لأن المصلي منهي عن قراءة القرآن حال الركوع والسجود، فوجب بدله، وهو التسبيح، كما يقوم التسبيح مقام القرآن إذا عجز المصلي عن


(١). مسلم (٢٠١ - ٧٧١).
(٢). انظر: الإشراف على مسائل الخلاف للقاضي عبد الوهاب المالكي (١/ ٢٤٤).

<<  <  ج: ص:  >  >>