للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لمناسكه، ومع ذلك فهذا الذكر مأمور به أمرًا صحيحًا صريحًا وكونه من مقاصد الحج، فلا يعني أنه من أركانه ولا من واجباته، فكذلك تسبيح الله وذكره في الصلاة من مقاصد الصلاة، ولا يقتضي ذلك أن يكون من أركانه، ولا من واجباته، وكأن الذكر في العبادة أعم من أن يكون بالقول، فكأن الرمي والطواف والسعي إذا أقامها العبد فقد تحقق منه ذكر الله تعالى في هذه الأفعال، وكذلك يقال في الصلاة: {أَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي} فكأن إقامة الصلاة من قيام وركوع وسجود هذه الأفعال من الذكر الفعلي، ولهذا لم يذكر التسبيح في حديث المسيء صلاته، واقتصر في الأركان على الأفعال، وعلى تكبيرة الإحرام، وقراءة القرآن، ولم يذكر التسبيح، والله أعلم.

الوجه الرابع:

رد الحنفية على صاحبهم أبي مطيع البلخي، بأن القول بأن التسبيح ركن، وهو قد ثبت بدليل ظني يؤدي إلى نسخ حكم الدليل القطعي بالظني، وهذا لا يصح عند الحنفية.

وجه القول بذلك:

أن الله تعالى قال: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا} [الحج: ٧٧].

فقوله: (ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا) مقتضاه صحة الركوع والسجود بمطلق الفعل، ولو لم يكن فيهما تسبيح، هذا ما يفيده مطلق الآية، وهي قطعية الثبوت، فإذا قلنا: إن التسبيح ركن بدليل ظني، فذلك يعني أنه لا يصح الركوع والسجود بمطلق الفعل حتى يسبح فيهما، وهذا يلزم منه تغيير حكم الآية، وتغيير حكم الآية يعني نسخ المقطوع بالمظنون، وهذا لا يصح عند الحنفية، ولهذا جاء في أصولهم: إن الزيادة على نص الكتاب نسخ، يعني يشترط له ما يشترط للنسخ عندهم.

قال الكسائي في بدائع الصنائع: «وروي عن أبي مطيع البلخي أنه قال: من نقص من الثلاث في تسبيحات الركوع والسجود لم تجزه صلاته، وهذا فاسد؛ لأن الأمر تعلق بفعل الركوع والسجود مطلقا عن شرط التسبيح فلا يجوز نسخ الكتاب بخبر الواحد فقلنا بالجواز مع كون التسبيح سنة عَمَلًا بالدليلين بقدر الإمكان» (١).

وقد ناقشت هذا الاستدلال في بحث الطمأنينة في الركوع في مبحث سابق،


(١). بدائع الصنائع (١/ ٢٠٨).

<<  <  ج: ص:  >  >>