للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

• دليل من قال: تكره قراءة القرآن في الركوع والسجود:

استدلوا بأدلة القائلين بالتحريم وهما حديثان:

حديث ابن عباس، وحديث علي بن أبي طالب رضي الله عنهما، وسبق ذكرهما.

بقي البحث في الصارف للنهي من التحريم إلى الكراهة.

وهذا مبحث أصولي يرجع فيه إلى الاختلاف في دلالة النهي المجرد، هل الأصل فيه التحريم، أم الكراهة، أم هو مشترك بينهما، كاختلافهم في الأمر، هل الأصل فيه الوجوب، أو الاستحباب، أو أنه مشترك بينهما والقرينة هي التي تحدد دلالة الأمر،

وإذا رجحنا أن الأصل في النهي التحريم، وهو قول الأكثر، فإنه لا ينبغي أن يتشدد في الصارف، ومن ذلك، فقد يكون الصارف قرينة لفظية، أو عمل الصحابة، أو قرينة معنوية كأن يكون الأمر والنهي من الآداب، أو يتعلق في الصحة، وقد تكون علة الأمر والنهي صارفة لهما من الوجوب والكراهة، وقد ناقشت هذا عند الكلام على حكم تحية المسجد، فارجع إليه.

إذا عرفت ذلك فما هو الصارف للنهي في مسألتنا؟

فالراجح في العلة أن الركوع والسجود هو موضع خضوع وذل للعبد ينزه عنه كلام الرب.

هذه العلة المستنبطة لا تجعل النهي للتحريم، لأن تذلل العبد لربه قربة وعزة له.

قال الشاعر:

وإذا تذللتْ الرقابُ تواضعًا ... منا إليك فعزها في ذلها.

وتذلل العبد في عمل القلب وفي خضوع البدن، وكلاهما لا يلحق القرآن، وإلا كان ذكر الله في الركوع والسجود لا يليق، فإذا كان الراكع والساجد يذكر الله بأسمائه وصفاته، ولا ينزه أسماء الرب ولا صفاته في الركوع والسجود، فكلامه صفة من صفاته، وإن وجد فرق بينهما فهو ما يجعل النهي للكراهة، لا للتحريم، فالركوع والسجود موضع للذكر، ومحل لتعظيم الرب، والقرآن أعظم الذكر، ولولا النهي لقيل: إن قراءة كتاب الله من تعظيم الله، وهو مشروع في القيام بالإجماع، فإذا ذكر المصلي ما كان مشروعًا في القيام في محل الركوع والسجود أو في أي موضع في الصلاة لم يَأْتِ بما ينافي صلاته،

<<  <  ج: ص:  >  >>