محرمًا، ولم يقل أحد بتحريم الدعاء في الركوع، وإما أن يدل على استحباب تعظيم الرب في الركوع، فلا يقتضي كراهة الدعاء، لأن ترك المستحب لا يلزم منه الوقوع في المكروه من حيث القواعد الأصولية، فلو أن المصلي سجد وعظم الله في السجود، ولم يدع لم يكن ذلك مكروهًا، فكذلك إذا دعا في الركوع لم يفعل ما يقتضي الكراهة، فلا يترتب على ترك المستحب الوقوع في المكروه، فلا تلازم بين ترك المستحب والوقوع في المكروه، ذلك لأن المكروه عند الفقهاء قسمان:
القسم الأول: متفق على كراهته، وهو ما نهى الشارع عنه، لا على سبيل الإلزام، والدعاء في الركوع ليس منه؛ لأنه لا يحفظ في النصوص نهي صريح عن الدعاء في الركوع، كما لم يحفظ فيها نهي صريح عن التعظيم في السجود.
القسم الثاني من المكروه: وهو مختلف في كراهته، وهو ترك السنن المؤكدة، ويعبر عنه بعض الأصوليين بخلاف الأولى، والأذكار في الركوع والسجود لا تعد عند المالكية من السنن المؤكدة حتى يقتضي تركها الكراهة عندهم.
إذا تقرر هذا علم أن ترتب كراهة الدعاء في الركوع على الأمر بتعظيم الله في الركوع، أو على الأمر بالإكثار من الدعاء في السجود، لا تساعد عليه القواعد الأصولية.
الوجه الثاني:
أن قوله:(فأما الركوع فعظموا فيه الرب ... إلخ).
منطوقه: الأمر بتعظيم الله في الركوع، والإكثار من الدعاء في السجود.
ومفهوم الشرط: الامتناع عن الدعاء في الركوع، والامتناع عن تعظيم الله في السجود، والجمهور القائلون بجواز الاحتجاج بالمفهوم، ومنه مفهوم الشرط لا يقولون: إن كل مفهوم حجة، بل يضعون لذلك شروطًا إذا تخلف شرط منها لم يكن حجة، ويرجع إليها في كتب الأصول.
فقد يأتي المنطوق، ولا مفهوم له إذا ذكر للترغيب أو للتنفير.
قال تعالى:{لَا تَأْكُلُوا الرِّبَاا أَضْعَافًا مُّضَاعَفَةً}[آل عمران: ١٣٠] فَوَصْفُ الربا بكونه أضعافًا مضاعفة جاء للتنفير، وليس لتقييد الحكم بهذا الوصف، فلا يفهم منه جواز القليل من الربا، وهذا المثال في مفهوم الصفة.