للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ومثال مفهوم الشرط قوله تعالى: {وَلَا تُكْرِهُوا فَتَيَاتِكُمْ عَلَى الْبِغَاءِ إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّنًا} [النور: ٣٣]، فالشرط في قوله: {إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّنًا} لا مفهوم له، فالتحريم ثابت مطلقًا.

والشرط بتعظيم الرب في الركوع والاجتهاد في الدعاء في السجود لا مفهوم له؛ لأنه جاء بقصد الترغيب في الإكثار من التعظيم في الركوع، فلا ينافي ذلك جواز التعظيم في السجود، وكذلك الشرط في السجود جاء بقصد الترغيب من الإكثار من الدعاء في السجود المفهوم من قوله: (فاجتهدوا فيه)، فلا ينافي ذلك جواز القليل منه في الركوع، كما ورد ذلك في السنة، فالمصلي إذا لم يمنع من التعظيم في السجود، لم يمنع من الدعاء في الركوع، فالمستحب أن تكون وظيفة الركوع إظهار التعظيم فيه أكثر من السجود، وفي السجود أن يكون الدعاء فيه أكثر من الركوع.

قال ابن حجر: «لا مفهوم له فلا يمتنع الدعاء في الركوع كما لا يمتنع التعظيم في السجود» (١).

• ورد هذا الوجه:

لا يصح حمل الاجتهاد في الدعاء في السجود على جواز القليل منه في الركوع؛ لأن حديث عائشة رضي الله عنها في الصحيحين، قالت: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يكثر أن يقول في ركوعه وسجوده: سبحانك اللهم ربنا، وبحمدك اللهم اغفر لي (٢).

فقد صرحت عائشة بوقوع الكثير بقولها: (كان يكثر أن يقول في ركوعه) فلا يصح الجمع بين حديث ابن عباس وحديث عائشة، بحمل حديث عائشة على جواز القليل منه في الركوع اختار ذلك الفاكهاني (٣).

• وتعقب هذا الرد:

قال ابن حجر: «وهو عجيب؛ فإن ابن دقيق العيد أراد بنفي الكثرة عدم الزيادة على قوله: (اللهم اغفر لي) في الركوع الواحد، فهو قليل بالنسبة إلى السجود المأمور فيه بالاجتهاد في الدعاء، المشعر بتكثير الدعاء ولم يرد أنه كان يقول ذلك في بعض


(١). فتح الباري (٢/ ٢٨١).
(٢). صحيح البخاري (٤٩٦٨)، وصحيح مسلم (٢٧١ - ٤٨٤).
(٣). انظر فتح الباري (٢/ ٣٠٠)، الإعلام بفوائد عمدة الأحكام (٣/ ٥١٨).

<<  <  ج: ص:  >  >>