ولم يستبعد ابن الهمام في الفتح حمل الكراهة على التحريم بناء على أصول المذهب. وجه حملها على التحريم: أن الأمر بالسجود على الأنف جاء بطريق الآحاد، وهو ظني الثبوت، والأمر بالسجود نفسه جاء بالقرآن وهو قطعي الثبوت، فيكون السجود فرضًا، والسجود على الأنف واجبًا؛ وترك الفرض يعبر عنه الحنفية بالتحريم، وترك الواجب يعبر عنه الحنفية بالكراهة ويقصدون التحريمية، كما قال الحنفية: القراءة في الصلاة ركن، وقراءة الفاتحة واجبة، قال أصحاب هذا التفسير: فلو قلنا بركنية السجود على الأنف لزم منه الزيادة على الكتاب، والزيادة على النص نسخ، والآحاد لا ينسخ القطعي، فكان مقتضى الأمر بالسجود على الأنف بحديث ابن عباس، وهو آحاد، والمواظبة عليه من النبي - صلى الله عليه وسلم - دليل على وجوبه، لا على ركنيته، وترك الواجب يكره تحريمًا لا تنزيهًا. وسبق لي مناقشة الحنفية في تأصيلهم هذا، والمهم عندي هنا فهم القول، لا بيان صوابه من ضعفه. انظر فتح القدير (١/ ٣٠٤)، وحاشية ابن عابدين (١/ ٤٨٩، ٤٩٩)، الدر المختار شرح تنوير الأبصار (ص: ٦٨)، البحر الرائق (١/ ٣٣٥، ٣٣٦). وجاء في بدائع الصنائع (١/ ١٠٥): «قال أبو حنيفة: هو الجبهة أو الأنف من غير تعيين، حتى لو وضع أحدهما في حالة الاختيار يجزيه، غير أنه لو وضع الجبهة وحدها جاز من غير كراهة، ولو وضع الأنف وحده يجوز مع الكراهة».
وانظر: الأصل (١/ ١٣، ٢١٠)، تبيين الحقائق (١/ ١١٦)، البحر الرائق (١/ ٣٣٥)، الهداية في شرح البداية (١/ ٥١)، الاختيار لتعليل المختار (١/ ٥١)، الجوهرة النيرة (١/ ٥٣). (٢). الأوسط (٣/ ١٧٧)، وانظر: المجموع (٣/ ٤٢٥).