أن المراد بتمكين الجبهة إشارة إلى الاطمئنان بالسجود، ولذلك قابله بالنقر في حديث ابن عمر:(فأمكن جبينك من الأرض ولا تنقر)، فأمره بتمكين الجبهة، ونهاه عن النقر.
وقال في حديث رفاعة في قصة المسيء:(ثم يسجد فيمكن جبهته من الأرض حتى تطمئن مفاصله)، فالغاية من التمكين تحصيل الطمأنينة، كقوله في حديث أبي هريرة المتفق عليه (ثم اسجد حتى تطمئن ساجدًا) فإذا لم يمكن جبهته لم تطمئن مفاصله، ولذلك قال في رواية محمد بن عمرو، عن علي بن يحيى بن خلاد، عن أبيه، عن رفاعة بن رافع عند أبي داود وغيره:(إذا سجدت فمكن لسجودك)، فذكر التمكين للسجود وأطلق، فلم يخص به عضوًا دون غيره، ففهم منه العموم، وأن المراد من التمكين الطمأنينة، وذكر الجبهة في بعض ألفاظه لا يقتضي التخصيص، كما هو معلوم من القاعدة الأصولية التي تقرر: أن ذكر فرد من أفراد العموم بحكم يوافق العموم لا يقتضي التخصيص كقوله تعالى: حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى، فذكر الوسطى لا يخصص العام.
الجواب الثالث:
سلمنا أن هذا الأمر يدل على وجوب السجود على الجبهة، فأين الدليل على سقوط السجود عن الأعضاء الباقية، فالاستدلال بهذه الأحاديث على عدم وجوب السجود على اليدين والركبتين والقدمين استدلال بالمفهوم، والاستدلال بحديث ابن عباس استدلال بالمنطوق، ولا حجة بالمفهوم إذا عارض المنطوق كما بينت في الجواب على الدليل الأول.
قال ابن دقيق العيد: «استدل لعدم الوجوب بقوله - صلى الله عليه وسلم - في حديث رفاعة (ثم يسجد فيمكن جبهته) وهذا غايته: أن تكون دلالته دلالة مفهوم وهو مفهوم لقب،